(إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [سورة النحل : ١٠١] وقولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [سورة النحل : ١٠٣] ؛ وأن لا يصدّه عن الدعوة أنه تعالى لا يهدي الذين لا يؤمنون بآيات الله. ذلك أن المشركين لم يتركوا حيلة يحسبونها تثبّط النّبي صلىاللهعليهوسلم عن دعوته إلا ألقوا بها إليه من : تصريح بالتكذيب ، واستسخار ، وتهديد ، وبذاءة ، واختلاق ، وبهتان ، كما ذلك محكي في تضاعيف القرآن وفي هذه السورة ، لأنهم يجهلون مراتب أهل الاصطفاء ويزنونهم بمعيار موازين نفوسهم ، فحسبوا ما يأتونه من الخزعبلات مثبطا له وموشكا لأن يصرفه عن دعوتهم.
وسبيل الربّ : طريقه. وهو مجاز لكل عمل من شأنه أن يبلّغ عامله إلى رضى الله تعالى ، لأن العمل الذي يحصل لعامله غرض ما يشبه الطريق الموصل إلى مكان مقصود ، فلذلك يستعار اسم السبيل لسبب الشيء.
قال القرطبي : إن هذه الآية نزلت بمكّة في وقت الأمر بمهادنة قريش ، أي في مدّة صلح الحديبية.
وحكى الواحدي عن ابن عباس : أنها نزلت عقب غزوة أحد لما أحزن النبيصلىاللهعليهوسلم منظر المثلة بحمزة ـ رضياللهعنه ـ وقال : «لأقتلنّ مكانه سبعين رجلا منهم». وهذا يقتضي أن الآية مدنية.
ولا أحسب ما ذكراه صحيحا. ولعلّ الذي غرّ من رواه قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦] كما سيأتي ، بل موقع الآية متّصل بما قبله غير محتاج إلى إيجاد سبب نزول.
وإضافة (سَبِيلِ) إلى (رَبِّكَ) باعتبار أن الله أرشد إليه وأمر بالتزامه. وهذه الإضافة تجريد للاستعارة. وصار هذا المركب علما بالغلبة على دين الإسلام ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [سورة الأنفال : ٣٦] ، وهو المراد هنا ، وفي قوله عقبه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) [سورة النحل : ١٢٥].
ويطلق سبيل الله علما بالغلبة أيضا على نصرة الدين بالقتال كما في قوله تعالى : (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [سورة التوبة : ٤١].
والباء في قوله : (بِالْحِكْمَةِ) للملابسة ، كالباء في قول العرب للمعرّس : بالرفاء