و (الْجَمِيلَ) : الحسن. والمراد الصفح الكامل.
ثمّ إن في هذه الآية ضربا من ردّ العجز على الصدر ، إذ كان قد وقع الاستدلال على المكذبين بالبعث بخلق السماوات والأرض عند قوله : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) [سورة الحجر : ١٤ ـ ١٦] الآيات. وختمت بآية : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) إلى قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) [سورة الحجر : ٢٣ ـ ٢٥].
وانتقل هنا لك إلى التذكير بخلق آدم ـ عليهالسلام ـ وما فيه من العبر. ثم إلى سوق قصص الأمم الّتي عقبت عصور الخلقة الأولى فآن الأوان للعود إلى حيث افترق طريق النظم حيث ذكر خلق السماوات ودلالته على البعث بقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) الآيات ، فجاءت على وزان قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) [سورة الحجر : ١٦] الآيات. فإن ذلك خلق بديع.
وزيد هنا أن ذلك خلق بالحقّ.
وكان قوله تعالى : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فذلكة لقوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) ـ إلى ـ : (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [سورة الحجر : ٢٥] ، فعاد سياق الكلام إلى حيث فارق مهيعه. ولذلك تخلص إلى ذكر القرآن بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [سورة الحجر : ٨٧] الناظر إلى قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [سورة الحجر : ٩].
وجملة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ) الخالق العليم في موقع التعليل للأمر بالصّفح عنهم ، أي لأن في الصّفح عنهم مصلحة لك ولهم يعلمها ربك ، فمصلحة النبي صلىاللهعليهوسلم في الصّفح هي كمال أخلاقه ، ومصلحتهم في الصّفح رجاء إيمانهم ، فالله الخلّاق لكم ولهم ولنفسك وأنفسهم ، العليم بما يأتيه كل منكم ، وهذا كقوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) [سورة فاطر : ٨].
ومناسبة لقوله تعالى : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) ظاهرة.
وفي وصفه ب الخالق العليم إيماء إلى بشارة النبي صلىاللهعليهوسلم بأن الله يخلق من أولئك من يعلم أنّهم يكونون أولياء للنبي صلىاللهعليهوسلم وهم الذين آمنوا بعد نزول هذه الآية والّذين