وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) [سورة النحل : ٣] وثبتت المنّة وحقّ الشّكر ، فرع على ذلك هاتان الجملتان لتكونا كالنتيجتين للأدلّة السابقة إنكارا على المشركين. فالاستفهام عن المساواة إنكاري ، أي لا يستوي من يخلق بمن لا يخلق. فالكاف للمماثلة ، وهي مورد الإنكار حيث جعلوا الأصنام آلهة شريكة لله تعالى. ومن مضمون الصّلتين يعرف أي الموصولين أولى بالإلهية فيظهر مورد الإنكار.
وحين كان المراد بمن لا يخلق الأصنام كان إطلاق «من» الغالبة في العاقل مشاكلة لقوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ).
وفرع على إنكار التسوية استفهام عن عدم التذكّر في انتفائها. فالاستفهام في قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) مستعمل في الإنكار على انتفاء التذكر ، وذلك يختلف باختلاف المخاطبين ، فهو إنكار على إعراض المشركين عن التذكر في ذلك.
جملة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) عطف على جملة (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ). وهي كالتكملة لها لأنها نتيجة لما تضمنته تلك الأدلّة من الامتنان كما تقدم. وهي بمنزلة التذييل للامتنان لأن فيها عموما يشمل النعم المذكورة وغيرها.
وهذا كلام جامع للتنبيه على وفرة نعم الله تعالى على الناس بحيث لا يستطيع عدّها العادّون ، وإذا كانت كذلك فقد حصل التّنبيه إلى كثرتها بمعرفة أصولها وما يحويها من العوالم.
وفي هذا إيماء إلى الاستكثار من الشكر على مجمل النعم ، وتعريض بفظاعة كفر من كفروا بهذا المنعم ، وتغليظ التهديد لهم. وتقدم نظيرها في سورة إبراهيم.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) استئناف عقب به تغليظ الكفر والتّهديد عليه تنبيها على تمكّنهم من تدارك أمرهم بأن يقلعوا عن الشرك ، ويتأهبوا للشكر بما يطيقون ، على عادة القرآن من تعقيب الزواجر بالرغائب كيلا يقنط المسرفون.
وقد خولف بين ختام هذه الآية وختام آية سورة إبراهيم ، إذ وقع هنا لك (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [سورة إبراهيم : ٣٤] لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديد عقب قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [سورة إبراهيم : ٢٨] فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله.
وأما هذه الآية فقد جاءت خطابا للفريقين كما كانت النّعم المعدودة عليهم منتفعا بها