الثاني : إن أصل قيام الخبر المحتمل أنّه قول الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الإمام (عليه السّلام) هو بنفسه من العناوين المرجّحة ، فإذا كان ذلك الخبر يتضمّن ثواباً على عمل ، فذلك العمل يكون مستحباً.
والنتيجة : أنّه إذا قام الخبر الضعيف على وجوب العمل الفلاني فإنّه لا يثبت وجوبه ، نعم يثبت بذلك استحبابه ، بمقتضى ما تقدم.
فالفتوى بالكراهة (مع كون الخبر ضعيفاً) متوقفة على الالتزام بأحد هذين التفسيرين.
هذا ، ولكنّنا في البحث عن قاعدة (التسامح في أدلَّة السنن) في علم الأُصول قد قلنا بعدم صحة كلا هذين المعنيين ، وإنما المستفاد من الأخبار أنّ المكلف عند ما يصله مطلوبية عمل ما إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن كان عن طريق صحيح فيأتي به جزماً ، وإن كان الخبر ضعيفاً فيأتي به رجاءً وانقياداً ، وهذا الانقياد من العبد موجب لاستحقاق الثواب والتقرب إلى الله سبحانه ، ومقدار ذلك الثواب لم يعرف إلَّا عن طريق التعبد الشرعي ، ولا دلالة عليه من جهة العقل أصلًا ، وأخبار (من بلغ) هي التي بيّنت مقدار ذلك الثواب وهو نفس ما بلغه ، أي المذكور في الخبر.
فمن تيقن بمطلوبية العمل يأتي به انقياداً للمولى بنحو الجزم ويعطى الثواب وإن لم يكن الواصل إليه مطابقاً للواقع.
ومن لم يحصل له ذلك اليقين لكون الخبر ضعيفاً يأتي بالعمل رجاءً وانقياداً ، لعدم علمه بصدوره من الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو المعصوم (عليه السّلام) ، وله ذلك الثواب أيضاً.
هذا هو المستفاد من أخبار (من بلغ) وحاصله : أنّه من بلغه ثواب على عمل وأتى به رجاء الحصول على ذلك الثواب يعطى الثواب المذكور وإن كان الخبر ضعيفاً وغير جامع لشرائط حجية الخبر.