وأمّا ما ذُكر من التفسيرين السابقين فلا دلالة للأخبار عليهما.
الأمر الثالث : لو تنزلنا وقلنا بدلالة الأخبار على أحد هذين المعنيين ، واستفدنا الحكم بالاستحباب أو الكراهة عن طريق أخبار (من بلغ) في الأعمال التي يرد فيها الثواب ، فإن هنا إشكالًا آخر يمنع جريان الأخبار في المقام ، وذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنما تدلّ على الكراهة في موارد النهي التكليفي ، وليس النهي في ما نحن فيه كذلك ، بل هو إرشاد إلى كون الفرد المنهي عنه أقل الأفراد ثواباً ، فمن أراد أن يعمل على طبق الخبر يمتنع من الصلاة في الأسود ، وليس ترك الصلاة في الثوب الأسود موجباً لإعطائه الثواب ، وإن كانت الصلاة في غيره أكثر ثواباً ، وذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنّما تكون في مورد الإتيان بالعمل استناداً إلى الخبر الضعيف الحامل للثواب المعين ، وترك العمل فيما نحن فيه ولو كان عملًا إلَّا أنّه لم يرد فيه ثواب.
والحاصل : إنّا وإن التزمنا باستفادة أحد الأمرين المتقدمين من أخبار (من بلغ) لا نعتبرها دليلًا على الكراهة فيما نحن فيه ، لعدم وصول ثواب على ترك العمل ، وإنما النهي للإرشاد إلى أقلية ثواب هذا الفرد من الصلاة.
ثم إنّه قال بعضهم : بأنّ عمل المشهور جابر لضعف هذا الخبر وإن كان ضعيف السند.
ولكنه ليس بصحيح ، بل لو عمل على طبقه الكل لما انجبر ضعفه ، وذلك لاحتمال استنادهم إلى أخبار (من بلغ) ، فهذا صاحب المدارك قد ناقش سند الروايات كلَّها بضمنها الموثقة ، وضعفها جميعاً ، ومع ذلك اثبت الحكم غير الإلزامي.
إذا اتّضح ذلك فنقول : في المسألة طائفتان من الروايات :
الطائفة الأُولى : ما دلّ على كراهة اللباس الأسود في الصلاة.
الطائفة الثانية : ما دلّ على كراهة لبس الأسود مطلقاً حتى في غير حال الصلاة.