ونحن نلتزم بمضمون هذه الروايات فنقول : إنّ اللباس إذا اختص به أعداء الدين فلا يجوز لبسه ، مثل القبعة التي يختص بلبسها اليهود.
ولكن لباس السواد لم يثبت اختصاص لبسه بأعداء الدين ، نعم يمكن ثبوت الاختصاص بخصوص (اللبادة السوداء) فإن لبسها من مختصات علماء اليهود والنصارى ، وإذا ثبت ذلك فيها فلبسها حرام.
بقي أمر تعرض له صاحب الحدائق (قدّس سرّه) فإنّه بعد أن نقل هذه الروايات قال : «لا يبعد استثناء لبس الأسود في مأتم الحسين (عليه السّلام) من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ..» (١).
ولم يبيّن الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمة (عليهم السّلام) وبالخصوص في أيام محرم الحرام وشهر صفر إظهاراً لمودتهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السّلام) فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت (عليهم السّلام) ، وقد روي عنهم (عليهم السّلام) : «رحم الله من أحيا أمرنا» ، فإذا ارتدى عامة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلهم السواد؟!
فعند ما يوضح له بأن اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول الحسين بن علي (عليه السّلام) ، كان هذا الأمر في حد نفسه إحياءً لأمره (عليه السّلام) ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرم وصفر ، وذلك لأن حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييت بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه لتراه الأجيال القادمة مثلًا أمامهم فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه قد أثبت أحقية التشيع ، وأبطل سائر ما عداه.
__________________
١) الحدائق الناظرة : ج ٧ ، ص ١١٨.