عمّا لا يملك ، وأين هو من بيع السلم الذي هو بيع شيء في الذمّة؟ فلم يكن ما صدر عن الرسول بنحو الضابطة شاملاً لبيع السلم حتّى يكون الثاني استثناء من الأوّل ومبنياً على اجتهاده واستحسانه.
وأمّا بيع العرايا : فإنّ المماثلة بين المتجانسين (مثلاً بمثل) واجب فيما إذا كان العوضان مكيلين أو موزونين ، كما هو الحال في مبادلة الرطب المجنى من الشجرة بالتمر ، وأمّا الرطب على الشجرة فهو ليس مكيلاً ولا موزوناً ، بل هو مشاهديّ ، فلذلك يقول الفقهاء : يجب تحديد المبيع عن الزيادة والنقص بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الزرع أو بالمشاهدة. فقد تعلّق نهي النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بالمكيل والموزون. وبيع العرايا الذي هو بيع الرطب على الشجر باليابس في الأرض ، خارج عن مصب النهي.
وأمّا الثالث ، أعني : استثناء الإذخر من تحريم اختلاء خلاه ، فلم يكن ذلك من اجتهاده أو تابعاً لعلمه حين قال بعد كلام الرسول إلّا الإذخر ، بل لأجل كثرة وجوده في بيوت مكة رخّص سبحانه اختلاه وعضده ، أو للحاجة إليه في بعض الأُمور.
ويعجبني أن أختم البحث بما ذكره بعض المعاصرين حول الاستحسان الذي أخذ من عامّة الفقهاء ومنّا وقتاً كثيراً.
قال الأُستاذ وهبة الزحيلي : بالمقارنة بين أدلّة المنكرين للاستحسان والمثبتين له ، أقرر أنّه ليس هناك ملتقًى موحدٌ في تأسيس الخلاف ، فإنّ إنكار الشافعي للاستحسان إنّما هو المبني على محض العقل ومجرد القول بالرأي والتشهّي من غير اعتماد على دليل شرعي ، وهذا المعنى لم يقل به الحنفية ومشايعوهم.
قال البزدوي : أبو حنيفة (رحمهالله) أجل قدراً وأشدّ ورعاً من أن يقول في الدين