جعل عنوان الباب من كتابه ب «كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم)» ولكنّه جاء بعده بحديث لا صلة له بعنوان الباب فقال : حدّثني الحميدي إلى أن قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول على المنبر : قال : سمعت رسول الله يقول : «إنّما الأعمال بالنيات ، ولكلّ امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». (١)
وما أراد بذلك إلّا الإطاحة برأي أبي حنيفة حيث فتح الذرائع واكتفى بالظواهر مع كون النيّات والمقاصد على خلافه.
ولم يكتف البخاري بذلك بل أشار في ثنايا كتابه إلى نقد الحيل الشرعية ونسبه إلى بعض الناس مريداً به (أبا حنيفة).
قال : «باب» إذا غصب جارية فزعم أنّها ماتت ، فقُضي بقيمة الجارية الميتة ، ثمّ وجدها صاحبها فهي له ويردّ القيمة ، ولا تكون القيمة ثمناً فقال البخاري : وقال بعض الناس : الجارية للغاصب لأخذه القيمة. وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها فغصبها واعتلّ بأنّها ماتت حتّى يأخذ ربُّها قيمتها ، فيطيب للغاصب جارية غيره ، قال النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «أموالكم عليكم حرام ، ولكلّ غادر لواء يوم القيامة». (٢)
قال ابن القيّم : وقد فصل قوله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «إنّما الأعمال بالنيّات ، ولامرئ ما نوى» الأمر في هذه الحيل وأنواعها ، فأخبر أنّ الأعمال تابعة لمقاصدها ونيّاتها ، وأنّه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إلّا ما نواه وأبطنه ، لا ما أعلنه وأظهره ، وهذا نصّ في أنّ من نوى التحليل كان محللاً ، ومن نوى الربا بعقد التبايع كان مرابياً ، ومن نوى
__________________
(١) (صحيح البخاري : ٢ / ١.)
(٢) صحيح البخاري : ٣٣ / ٩ ، كتاب الإكراه.