المكر والخداع كان ماكراً مخادعاً ، ويكفي هذا الحديث وحده في إبطال الحيل ، ولهذا صدر به حافظ الأُمّة محمد بن إسماعيل البخاري إبطال الحيل ، والنبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أبطل ظاهر هجرة مهاجر أُمّ قيس بما أبطنه ونواه من إرادة أُمّ قيس. (١)
الرابع : إنّ ابن القيّم الّذي أفاض الكلام في القاعدة حاول أن يبرّئ ساحة أئمّة المذاهب الأربعة عن تجويز الحيل الشرعية وقال في ذلك : إنّ هؤلاء المحتالين الّذين يُفتون بالحيل الّتي هي كفر أو حرام ليسوا مقتدين بمذهب من أحد الأئمّة ، وأنّ الأئمّة أعلم بالله ورسوله ودينه وأتقى له من أن يُفتوا بهذه الحيل ، وقد قال أبو داود في مسائله : سمعت أحمد وذكر أصحاب الحيل : يحتالون لنقض سنن رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم)! وقال في رواية أبي الحارث الصانع : هذه الحيل الّتي وضعوها عمدوا إلى السنن واحتالوا لنقضها ، والشيء الّذي قيل لهم إنّه حرام احتالوا فيه حتّى أحلُّوه ، قالوا : الرهن لا يحل أن يستعمل ، ثمّ قالوا : يحتال له حتّى يستعمل ، فكيف يحل بحيلة ما حرّم الله ورسوله؟ وقال (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فأذابوها فباعوها وأكلوا ثمنها» أذابوها حتّى أزالوا عنها اسم الشحم. (٢)
يلاحظ عليه : أنّه كيف يقول إنّ القول بالحيل كفر أو حرام وليس بمقتد بمذهب أحد من الأئمّة ، وهذا هو الإمام أبو حنيفة قد أبدع هذه القاعدة أو روّجها ، فكيف ينزّهه عنها وقد عرفت كلام البخاري في الرد عليه؟!
الخامس : أنّ القول بالحيل الشرعية نابع عن أحد أمرين :
١. نفي المناطات والملاكات المقصودة من الأحكام الشرعية حتّى يكون الإنسان مكلّفاً بالألفاظ والصور لا إلى المعاني والمقاصد.
__________________
(١) (إعلام الموقعين : ١٧٦ / ٣.)
(٢) إعلام الموقعين : ١٩١ / ٣.