المحرّم بكلّ طريق ، والمحتال يريد أن يتوسّل إليه. ولهذا لما اعتبر الشارع في البيع والصرف والنكاح وغيرها شروطاً سدّ ببعضها طريق الزنا والربا ، وكمل بها مقصود العقود ، لم يمكن لمحتال الخروج منها في الظاهر ، فإذا أراد الاحتيال ببعض هذه العقود على ما منع الشارع منه ، أتى بها مع حيلة أُخرى توصله بزعمه إلى نفس ذلك الشيء الّذي سدّ الشارع ذريعته ، فلا يبقى لتلك الشروط الّتي يأتي بها فائدة ولا حقيقة ، بل يبقى بمنزلة اللعب والعبث. (١)
٢. ولخّصه تلميذه ابن القيّم (المتوفّى ٧٥١ ه) بقوله : وتجويزُ الحِيَل يُناقض سدّ الذرائع مناقضة ظاهرة ؛ فإنّ الشارع يَسُدُّ الطريق إلى المفاسد بكلّ ممكن ، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة ، فأين مَن يمنع من الجائز خشية الوقوع في المحرّم ، إلى من يعمل الحيلة في التوصّل إليه؟ (٢)
٣. وقال أبو إسحاق الشاطبي (المتوفّى ٧٩٠ ه) : إنّ الله أوجب أشياء ، وحرّم أشياء ، إمّا مطلقاً ، من غير قيد ولا ترتيب على سبب ، كما أوجب الصلاة والصيام ... وكما حرّم الزنا والربا ... وأوجب أيضاً أشياء مترتبة على أسباب ، وحرم آخر كذلك كإيجاب الزكاة والكفّارات ... وكتحريم المطلقة والانتفاع بالمغصوب أو المسروق وما أشبه ذلك ، فإذا تسبّب المكلّف في إسقاط ذلك الوجوب عن نفسه ، أو في إباحة ذلك المحرّم عليه ، بوجه من وجوه التسبب ، حتّى يصير الواجب غير واجب في الظاهر ، أو المحرّم حلالاً في الظاهر أيضاً ... فعند التسبب يسمّى حيلة وتحيلاً. (٣)
ولا يخفى ما في كلامه من الإطناب من تقسيم الواجب والحرام ، إلى المترتّب
__________________
(١) (فتاوى ابن تيمية : ١٤٦ / ٢.)
(٢) (إعلام الموقعين لابن القيّم : ١٧١ / ٣.)
(٣) الموافقات : ٢٦٥ / ٢ ، المسألة العاشرة من القسم الثاني ، ط مصر ؛ وفي طبعة أُخرى : ٦٥٥ / ٢ ٦٥٦.