الثامن عشر : أنّ الحكمة إنّما تطلب في حقّ من تميل نفسه إلى جلب نفع أو دفع ضرر ، والله تعالى منزه عنه.
التاسع عشر : أنّ الحكمة إنّما تطلب في حق من لو خلا فعله من الحكمة لحقه الذم وكان عابثا ، والله تعالى منزّه عنه ، لأنّه يتصرّف في ملكه كيف شاء.
فظهر بذلك أنّه ليس الغالب في أفعاله تعالى رعاية المصالح ولا يغلب على الظن تعليل أحكامه بالمصالح ، كما لو رأينا شخصا غالب أفعاله عدم الالتفات إلى المصالح ثمّ رأيناه حكم بحكم لا يغلب على الظن اشتمال ذلك الحكم على المصلحة ، هذا في حق الإنسان المحتاج إلى رعاية المصلحة والإله يتعالى عن المصالح ، ثم رأينا غالب أفعاله ما لا يكون مصلحة للخلق كيف يظن تعليل أحكامه بالمصالح؟!
سلّمنا أنّ أفعاله تعالى معلّلة بالمصالح ، وأنّ هذا الفعل مصلحة من هذا الوجه ، فلم قلت : إنّ هذا القدر يقتضي ظنّ أنّ ذلك الحكم معللا بهذه المصلحة؟ واعتمادكم على الوجه الأوّل مبني على الاستصحاب والثاني مبني على الدوران.
وعلى الوجه الثاني لم قلت : إنّه لما حصل الظنّ في المثال المذكور وجب حصوله في حقّه تعالى. والدوران إنّما يفيد الظن إذا لم يظهر وصف آخر في الأصل ، وقد وجد هنا لوجهين (١) :
__________________
(١) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٣٤٢.