أ. إنّما حكمنا بذلك في حقّ الملك ، لعلمنا بميل طبعه إلى جلب المصلحة ودفع المفسدة ، وهو مفقود في حقّه تعالى.
ب. المعتبر ليس دفع عموم الحاجة ، بل دفع الحاجة المخصوصة ، فمن عرف عادة الملك أنّه يراعي هذا النوع أو ذاك حصل له ظن انّ غرض الملك من هذا الفعل إمّا هذا أو ذاك ، وعادة الله تعالى في رعاية أجناس المصالح وأنواعها مختلفة ، ولذلك قد يكون الشيء قبيحا عندنا وهو حسن عند الله تعالى وبالعكس ، ولهذا المعنى نقطع الآن بقبح شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام وبحسن شريعتنا ، والتفاوت غير معلوم الآن ، فظهر الفرق بين الصورتين.
سلّمنا أنّ ما ذكرتم يدلّ على قولكم لكنّه معارض بوجوه (١) :
الأوّل : انّ أفعاله لو كانت لدفع حاجة العبد لارتفعت جميع الحاجات لاشتراكها في أصل كونها حاجة وتباينها بخصوصياتها ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فما به الامتياز لكلّ نوع من أنواع الحاجة عن باقي أنواعه لا يكون حاجة.
فإذن التعليل بكونه حاجة يوجب سقوط تلك الزوائد عن العلّيّة ، وارتباط الحكم بمسمّى الحاجة الذي هو القدر المشترك بين كلّ أنواعه ، فإذا كان المسمّى علّة لشرع ما يصلح أن يكون دافعا له ، لزم اندفاع كلّ الحاجات ، لكن اللازم باطل قطعا ، فيبطل التعليل بالحاجة.
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٣٤٢.