الثاني : تعليل أحكامه تعالى بالمصالح يفضي إلى مخالفة الأصل ، لأنّ العبادات التي كانت في شرع موسى وعيسى عليهمالسلام كانت حسنة في ذلك الزمان وصارت قبيحة الآن ، فلا بدّ وأن يكون ذلك ، لأنّه حصل في ذلك الزمان شرط لم يحصل الآن ، أو وجد الآن مانع لم يكن موجودا في ذلك الوقت ، ولكن توقيف المقتضي على وجود الشرط أو تخلّف حكمه لمانع ، خلاف الأصل.
الثالث : الحكم لا يجوز تعليله بالحكمة ، لعدم انضباطها فتكون خفية ؛ ولا بالوصف المشتمل عليها ، لأنّه إنّما يكون علّة للحكم لاشتماله على الحكمة ، فتكون الحكمة علّة لعلّة الحكم ، فيعود المحذور.
سلّمنا استلزام شرع الحكم للحكمة لكن لا يلزم أن يكون ما ظهر من المناسب علّة ، ولو دلّ لزم كون أجزاء العلّة المناسبة عللا ، فجاز أن يكون جزء علة فلا يلزم من وجوده في الفرع وجود الحكم.
وهذه الشبه أورد أكثرها الإمام فخر الدين الرازي ثمّ أجاب (١) بأنّ أفعال الله تعالى مشروعة للمصالح على ما بيّنّا ، والوجوه العقلية التي ذكرت لو صحّت لقدحت في التكليف ، والكلام في القياس نفيا وإثباتا فرع على القول بالتكليف ، فلا تكون مسموعة.
وأمّا الفرقان المذكوران بين الشاهد والغائب فإنّما يقدح في قول من
__________________
(١) المحصول : ٢ / ٣٤٣.