لأنّا نقول (١) : متى يفتقر الحكم في بقائه إلى دليل ، إذا قيل إنّه ينزل منزلة الجواهر أو الأعراض؟ ممنوع ، بل هو باق بعد ثبوته بالإجماع لا بدليل ، لما سبق تقريره في مسألة الاستصحاب مسلّم ، لكن لم قلتم بأنّه يتنزل منزلة الأعراض.
سلّمنا تنزله منزلتها ، وأنّه لا بد له من دليل ، لكن لا نسلّم انحصار الدليل المنفي فيما ذكروه من النص والإجماع والقياس ، إلّا إذا بيّنتم انّ الاستصحاب ليس دليلا ، وهو نفس النزاع.
سلّمنا أنّ الاستصحاب بنفسه لا يكون دليلا على الحكم الباقي بنفسه ، لكنّه دليل الدليل على الحكم. لما تقدّم في مسألة الاستصحاب من وجود غلبة الظن ببقاء كلّ ما كان متحقّقا على حاله ، وهو يدلّ من حيث الإجمال على دليل موجب لذلك الظن.
قال الغزالي : المستصحب إن أقرّ بأنّه لم يقم دليلا في المسألة ، بل قال : أنا ناف ، ولا دليل على النافي ، فسيأتي بيان وجوب الدليل على النافي ؛ وإن ظن إقامة دليل فقد أخطأ ، فإنّا نقول : إنّما يستدام الحكم الّذي دلّ الدليل على دوامه ؛ وهو إن كان لفظ الشارع فلا بدّ من بيانه ، فلعلّه يدلّ على دوامها عند عدم الخروج لا عند وجوده. وإن دلّ بعمومه على دوامها عند العدم والوجود معا ، كان ذلك تمسكا بالعموم ، فيجب إظهار دليل التخصيص.
__________________
(١) ذكر الآمدي الإشكال وأجاب عنه في الإحكام : ٤ / ١٤٢.