أمّا الإجماع فلأنّ القائل بوجوب الأكثر قائل بوجوب الأقل قطعا ، فيكون وجوب الأقل مجمعا عليه.
وأمّا البراءة الأصلية فلأنّها تدلّ على عدم وجوب شيء أصلا ترك العمل به في الأقل لدلالة الإجماع على وجوبه فيبقى كما كان. وينبغي أن يشترط في الحكم بأقل ما قيل عدم ورود شيء من الدلائل السمعية ، فإنّه لو ورد شيء كان ذلك الحكم لأجله لا للرجوع إلى أقل ما قيل ، ولأجل ذلك لمّا اختلف في عدد الجمعة لم يأخذ الشافعي فيه بالأقل وهو الثلاثة لورود نص في الزائد ، فكان الأخذ به أولى من الأخذ بالبراءة الأصلية. وكذا في غسل الإناء من الولوغ قيل : سبعة ، وقيل : ثلاثة ، والشافعي أخذ بالأوّل لأنّه نقل فيه شيئا.
لا يقال : بل يجب الأخذ بالأكثر ، لأنّه قد ثبت شيء في الذمّة واختلفت الأمّة في الكمية ، فقيل : الكلّ ، وقيل : النصف ، وقيل : الثلث ، وقيل : ثمانمائة درهم ؛ فإذا لم يحصل مع واحد من هذه دلالة سمعية تساقطت ، فلا يحصل يقين البراءة إلّا مع أداء الجميع ، فيجب لتحصيل يقين الخروج عن العهدة.
لأنّا نقول : لمّا كان الأصل البراءة امتنع الحكم بشغل الذمّة إلّا بدليل سمعي ، فإذا لم يوجد سوى الإجماع ، والإجماع لم يثبت إلّا في أقلّ المقادير ، لم يثبت الشغل إلّا به.
لا يقال : سلّمنا عدم وجود دليل سوى الإجماع لكن لا يلزم من عدم