لأنّا نقول : قول المثبت ناقل عن حكم العقل وقول النافي مقرر له فيكون الأوّل أولى. ولأنّ النافي يحتمل أنّه إنّما نفي لأنّه وجد له ظنّ النفي ، وإنّه لم يوجد له ظن الثبوت ، وعدم وجود الظن لا يكون ظنا ؛ بخلاف المثبت فإنّه لا يمكنه الإثبات إلّا عند وجود ظنّ الثبوت ، فإذا انتفى كان مكلّفا بالبقاء على حكم العقل ، وإذا كان كذلك ثبت أنّ قول المثبت أولى من قول النافي.
الثاني : ثبت الحكم في الصورة الفلانية فثبت هنا ، لقوله تعالى (فَاعْتَبِرُوا)(١) ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٢). والعدل التسوية وهذه التسوية بين الصورتين.
ولأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم شبّه القبلة بالمضمضة في حكم شرعي ، فيجب علينا تشبيه الحكم بالحكم لقوله تعالى : (فَاتَّبِعُوهُ)(٣) ، وهذا الّذي علمناه تشبيه صورة بصورة فيدخل تحت الأمر.
وفيه نظر ، لما تقدّم من الكلام على الآيتين والأمر بالاتّباع يستلزم تخصيص التشبيه للقبلة بالمضمضة ، لأنّ تشبيه غيرهما ليس اتّباعا.
الثالث : أجمعنا على ثبوت حكم ما وأنّه ثبت لمصلحة ، وهذا الحكم لو ثبت حصل نوع مصلحة ، فلا بدّ وأن يشتركا في قدر فيعلّل بالمشترك ، وهو يقتضي ثبوت الحكم.
__________________
(١) الحشر : ٢.
(٢) النحل : ٩٠.
(٣) الأنعام : ١٥٣.