والعلل مؤثرة في الأحكام نفيا وإثباتا ، لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى ، فذكر ليدلّ به على أنّ حكم النظير حكم مثله ، وأنّ نسبة القبلة الّتي هي وسيلة للوطء كنسبة وضع الماء في الفم الّذي هو وسيلة إلى شربه ، فكما أنّ هذا الأمر لا يضرّ ، فكذلك الآخر. (١)
يلاحظ عليه :
أوّلا : أنّ الحديث يمكن الاستدلال به على بطلان القياس لا على إثباته ، لأنّ عمر ظنّ أنّ القبلة تبطل الصوم قياسا على الجماع ، لاشتراكهما في كونهما من أسباب الالتذاذ الجنسي ، فردّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ الأشياء المماثلة المتقاربة لا تتساوى أحكامها.
وثانيا : أنّ القياس عبارة عن استفادة حكم الفرع من حكم الأصل ، بحيث يستمد الفرع حكمه من الأصل ، وليس المقام كذلك ، بل كلاهما على مستوى واحد كغصني شجرة.
وإن شئت قلت : إنّ المبطل هو الشرب لا مقدّمته (المضمضة) ، كما أنّ المبطل هو الجماع لا مقدّمته (القبلة) ، فبما أنّ المخاطب كان واقفا على ذلك الحكم في الشرب ، دون الجماع ، أرشده النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى تشبيه القبلة بالمضمضة إقناعا للمخاطب ، لا استنباطا للحكم من الأصل.
وكم فرق بين كون المتكلم في مقام استنباط حكم الفرع من الأصل ،
__________________
(١) إعلام الموقعين : ١ / ١٩٩.