من التشريع ، ولا يتّفق وعدل الله وحكمته أن يحرّم الخمر لإسكارها محافظة على عقول عباده ، ويبيح نبيذا آخر فيه خاصيّة الخمر ، وهي الإسكار ، لأنّ مآل هذا ، المحافظة على العقول من مسكر ، وتركها عرضة للذهاب بمسكر آخر. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الكبرى مسلّمة ، وهي أنّ أحكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد ، إنّما الكلام في إمكان وقوف الإنسان على مناطات الأحكام وعللها على وجه لا يخالف الواقع قيد شعرة ، وأمّا قياس النبيذ على الخمر فهو خارج عن محلّ الكلام ، لأنّا نعلم علما قطعيا بأنّ مناط حرمة الخمر هو الإسكار ، ولذلك روي عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام أنّه سبحانه حرّم الخمر وحرّم النبيّ كلّ مسكر. (٢) ولو كانت جميع الموارد من هذا القبيل لما اختلف في حجّية القياس اثنان.
ولأجل إيضاح هذا المعنى ، وتبيان أنّ المكلّف ربّما لا يصل إلى مناطات الأحكام ، نقول :
إذا نصّ الشارع على حكم ولم ينصّ على علّته ومناطه ، فهل للمجتهد التوصّل إلى معرفة ذلك الحكم عن طريق السبر والتقسيم بأن يحصر الأوصاف الّتي توجد في واقعة الحكم ، وتصلح لأنّ تكون العلّة واحدة منها ، ويختبرها وصفا وصفا ، وبواسطة هذا الاختبار يستبعد الأوصاف الّتي لا يصحّ أن تكون علّة ، ويستبقي ما يصحّ أن يكون علّة ،
__________________
(١) مصادر التشريع الإسلامي : ٣٤ ـ ٣٥.
(٢) الكافي : ١ / ٢٦٦.