ولا بأس للتعرض كيفية الاستدلال لوجوب المعرفة بعموم الأصل الاعتقادي بالآية الشريفة وما خلقت الجن والانس إلّا ليعبدون (١) أي ليعرفون فإذا كان المقصود من خلقة الجن والانس هو المعرفة.
ومن الواضح : إن تحصيل المعرفة واجب عليهما وإلّا يكون خلقتهما لغوا ، وهو محال لا يصدر من الخالق المتعال.
فإن قيل : يحتمل أن تكون الآية الشريفة لبيان معرفة خصوص الواجب الوجود جلّت عظمته ، لا لبيان معرفة عموم الاصول الاعتقادية فيكون الدليل أخص من المدعى.
قلنا إن متعلق المعرفة مقدر ومحذوف وحذفه دليل على عموم المتعلق فالآية الشريفة تدل على تعميم وجوب المعرفة ولكن الانصاف إن هذا الجواب مردود لكون نونها وقاية ولهذا تكون مكسورة ونون الجمع محذوف لأجل اجتماع النونين في الجملة الواحدة وهذا مستكره في كلام العرب ، وياء المتكلم محذوفة لدلالة كسرة ما قبلها عليها أي ليعرفوني فهي تدل على وجوب معرفة خصوص الباري تعالى ، فلا عموم فيها ولا إطلاق فيها ، كي تشمل جميع الاصول الاعتقادية.
فإن قيل : لم جيء بنون الوقاية في الكلام.
قلنا : جيء بها لأجل ياء المتكلم ، كما قال صاحب الألفية :
وقيل ياء النفس مع الفعل التزم |
|
نون وقاية وليسي قد نظم |
سمّيت وقاية لأجل وقاية لآخر الفعل من الكسرة ، فجواب المصنف قدسسره عن الآية الشريفة متين إنصافا ، وكيفية الاستدلال بالحديث الشريف ، وهي إن ذكر الصلوات الخمس بعد ذكر المعرفة دليل على أفضلية معرفتها بعد معرفة الاصول الاعتقادية.
__________________
١ ـ سورة الذاريات آية ٥٦.