وصادف الحرام الواقعي فهو مستحق للعقاب بلا إشكال فإحتمال العقوبة في أطراف العلم الاجمالي محقق وإن لم تكن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل موجودة في العالم على الفرض ، وكذا لا حاجة إلى هذا كله إذا كان المقصود من الضرر في القاعدة المعروفة عقوبة اخروية ، وأما الضرر الدنيوي فالمتيقن منه ليس بواجب الدفع فضلا عن أن يكون محتملا ، أو مظنونا.
أجاب المصنف قدسسره عن الاشكال بجوابين :
الأوّل : لا نسلّم هذه القاعدة إذا كان المراد من الضرر هو الضرر الدنيوي لأن المتيقن منه ليس بواجب الدفع فضلا عن مظنونه ومحتمله.
وعليه : إذا ارتكب الانسان لأجل بعض الدواعي والمصالح ضررا كثيرا فالعقل لا يحكم بقبحه والشرع المقدس لا يأمر بوجوب دفعه مثلا إذا أراد الانسان بناء المسجد وتعمير المعبد الاسلامي وأنفق كثيرا من ماله ، أو أعان أخاه المسلم من ماله فالضرر المتيقن موجود هنا فلا يحكم العقل بقبحه ولا يأمر الشرع بلزوم دفعه ، وكذا إذا بذل الانسان جسمه لغرض إحياء الدين والشريعة في مقام الجهاد فالضرر البدني مسلّم ولكن العقل لا يحكم بقبحه والشرع لا يحكم بوجوب دفعه بل الشرع قائل بالأجر العظيم للباذل المقاتل لاحياء الدين والاسلام فليس تحقق الضرر الدنيوي بملازم مع وجوب دفعه نظرا إلى القاعدة المعروفة وهي عبارة عن لزوم دفع الضرر.
الثاني : أن احتمال الحرمة في الشبهة التحريمية واحتمال الوجوب في الشبهة الوجوبية ليسا بملازمين مع الضرر الدنيوي وإن كانا ملازمين مع احتمال المفسدة في الشبهة التحريمية وترك المصلحة في الشبهة الوجوبية ، إذ يحتمل أن يكون شرب التبغ حراما واقعا والدعاء عند رؤية الهلال واجبا واقعا.
فإن قيل : إن الأحكام الالهية تابعة للمصالح الواقعية والمفاسد النفس الأمرية