وبهذا النحو : سمّي الوسيلة المائح. قال الشاعر (١) : [من الطويل]
ولي مائح قد يورد الناس قبله |
|
معلّ وأشطان الطّويّ كثير |
والدّلو العظيمة يقال لها : ذنوب إذا كانت ملأى ويقال لها : غرب أيضا ، ويعبّر بها عن النّصيب كقوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً)(٢). ويجمع على أدل في القلّة ودليّ في الكثرة والأصل : أدلو ودلوّ ؛ فأعلّ كما ترى. ويجوز في دال دليّ الضمّ والكسر نحو عصّي.
قوله : (فَدَلَّاهُما)(٣) أي أهبطهما من السّماء إلى الأرض وأطمعهما. قال الأزهريّ : أصله أن يتدلّى الرجل في البئر ليروى من عطشه فلا يجد فيها ماء ، فهذا تدلّيه بغرور أي بخديعة ، ثم جعل هذا مثلا في الدّنوّ من كلّ شيء لا يجدي نفعا. وقيل : قرّبهما من المعصية بغرور إيّاهما. وقيل : الأصل فدلّلهما ، من الدّالّ (٤) والدّالّة : وهو الجرأة من تدلّل المرأة كما تقدّم قاله الهروي. قلت : فأبدلت اللام الأخيرة حرف علّة لتوالي الأمثال نحو : تطيّبت ودسّاها كما مرّ.
قوله : (فَتَدَلَّى)(٥) أي قرب. والتّدلّي والدّنّو متقاربان إلا أنّ التّدلّي من علوّ إلى سفل ، والدّنوّ أعمّ. فمن جمع بينهما في قوله : (دَنا فَتَدَلَّى) فالمراد جبريل. قوله : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ)(٦) أي تقطعوها ، وعبّر عنها بالإدلاء تشبها بإرسال الدّلو. وحذف النون يجوز أن يكون لكونه مجزوما عطف على النّهي ، أي ولا تدلوا. أو منصوبا بعد واو مع جوابه أي لا تجمعوا بين هذا وهذا ، وقد حقّقناه في غير هذا. والمعنى لا تعطوا الحكام الرشوة ليغيّروا حكم الله فإنّ حكمهم لا يحرّم حلالا ولا يحلّل حراما. وقال عمر في استسقائه : «وقد دلونا به» (٧) أي بالعباس ، أي توسّلنا وهتفنا ، وهو من الدّلو (٨). وفي
__________________
(١) من شواهد الراغب في المفردات : ١٧١ ، ومقاييس اللغة : ٤ ١١٩ (وفيه : يورد الماء) ومذكور في الحيوان : ٤ ٣٩١ ومجالس ثعلب : ٥٩٢. وهو للشاعر العجير.
(٢) ٥٩ الذاريات : ٥١.
(٣) ٢٢ الأعراف : ٧.
(٤) في الأصل : الدلال ، والتصويب من اللسان.
(٥) ٨ النجم : ٥٣.
(٦) ١٨٨ البقرة : ٢.
(٧) من حديث الاستسقاء ، النهاية : ٢ ١٣٢.
(٨) الدلو هنا : السّوق الخفيف.