وذلك لأنه يكره. فهو كقولك : ربّ عثمان العثمانين جاءني. وله أحكام ، ومعناه التّنزيه فمعنى سبحان الله : تنزيهه عمّا لا يليق به ، ويستعمل في التعجب ، ومنه الحديث : «سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس» (١). وأصل المادة للدّلالة على البعد ، ومنه : السّبح في الماء ، وكذلك تسبيح الله لأنّ فيه إبعادا له عمّا لا يليق به ، ممّا كانت الكفرة الذين لا يقدّرونه حقّ قدره ينسبونه إليه من الشّرك والولد وغير ذلك.
والسّبح : المرّ السريع في الماء أو الهواء ، ويستعار ذلك للنجوم ، قال تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٢) ، وفي دؤوب العمل أيضا قال تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً)(٣) والتّسبيح عام في العبادة ؛ قوليّة كانت أو فعليّة أو منويّة. وقيل في قوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)(٤) أي القائلين : سبحانك ، ويؤيده قوله : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥) ، وقيل : من المصلّين. وقيل : من النّاوين ؛ أنه إذا تمكّن من العبادة حين يخرج من بطن الحوت أن يسبّح الله بقلبه ولسانه ، ويذيب جوارحه في طاعته ، والأولى أن يحمل على جميع ذلك ، لأنه اللائق بحال ذي النون عليهالسلام.
وقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ)(٦) أي تعبدونه وتشكرونه. وقيل : تقولون : إن شاء الله ، يدلّ عليه قوله : (وَلا يَسْتَثْنُونَ)(٧).
وقوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)(٨) أي صلّ. وسميت الصلاة تسبيحا لاشتمالها عليه. ومنه : «كان يسبّح على راحلته» (٩). وقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)
__________________
(١) صحيح البخاري ، باب الغسل : ٢٣ ، ٢٤.
(٢) ٣٣ الأنبياء : ٢١.
(٣) ٧ المزمل : ٧٣.
(٤) ١٤٣ الصافات : ٣٧.
(٥) ٨٧ الأنبياء : ٢١.
(٦) ٢٨ القلم : ٦٨.
(٧) ١٨ القلم : ٦٨.
(٨) ٩٨ الحجر : ١٥.
(٩) صحيح البخاري ، الصلاة ، ٣١ ، وفيه رواية : «كان النبي يصلي على راحلته».