«ملوك على الأسرّة» (١). وسرير الميّت ؛ على التفاؤل بذلك ، وكأنه حصل له بلقاء ربّه سرور لخروجه من السجن المشار إليه بقوله صلىاللهعليهوسلم : «الدّنيا سجن المؤمن» (٢).
قوله : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)(٣). قيل : السرّ ما أضمرته في نفسك وأخفى منه ما ستفعله ولا يخطر ببالك. وقيل : السرّ ما تتكلم به في خفاء وأخفى منه ما أضمرته في نفسك ولم تتكلم به. والأول أبلغ. والسرّ هو الحديث المكتّم في النفس والإسرار ضدّ الإعلان. ويستعمل في المعاني والأعيان. قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوى)(٤) أي كتموها. وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ)(٥) قيل : كتموها تجلّدا ، وقيل : أظهروها. قال أبو عبيدة ، قال الراغب (٦) : بدلالة قوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ)(٧) قال : وليس كذلك ؛ فإنّ الندامة التي كتموها ليست إشارة إلى ما أظهروه. وقال الأزهريّ : ليس قول أبي عبيدة بشيء ، إنما يقال : أشروا بالشين ، يعني بالمعجمة ، أي أظهروا. وأسروا بالسين : أخفوا. وقال قطرب : أسرّها كبراؤهم من أتباعهم. قال ابن عرفة : لم يقل قطرب شيئا ، وحمل ذلك على حالتين ؛ يعني أنهم أظهروا ندامة وأخفوا ندامة ، لأنهم لم يستطيعوا أن يظهروا كلّ ما في قلوبهم عجزا عن ذلك. وصارت لهم الحالتان ؛ حالة الإخفاء وحالة الإظهار. وأنشد لأبي دؤاد الإياديّ (٨) : [من المتقارب]
إذا ما يذقّها شارب |
|
أسرّ احتيالا وأبدى احتيالا |
ولم أدر وجه قول ابن عرفة في الردّ على قطرب. قوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٩) يقال : أسررت إلى فلان حديثا أو أصبت به إليه في خفية. والمعنى :
__________________
(١) البخاري ، باب التعبير : ١٢. وفيه : «.. أو مثل الملوك على الأسرة».
(٢) صحيح مسلم ، باب الزهد : ١.
(٣) ٧ طه : ٢.
(٤) ٦٢ طه : ٢٠ ، وغيرها.
(٥) ٥٤ يونس : ١٠ ، وغيرها.
(٦) المفردات : ٢٢٨.
(٧) ٢٧ الأنعام : ٦.
(٨) الصدر ناقص ومضطرب.
(٩) ١ الممتحنة : ٦٠.