قوله : (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(١) هو المسجد المعروف ، سمّي بذلك لأنّه من علامات الحجّ ، ومواضع الحجّ كلّها (٢) [مشعر]. إلا أنّ هذا الاسم غلب على هذا المكان بخصوصه. وأصل هذه المادّة من شعر الإنسان. وبيانه أن تقول : شعرت زيدا ، أي أصبت شعره. قالوا : ثم استعير : شعرت كذا ، أي علمت علما في الدقّة كإصابة الشّعر.
وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقّة معرفته. فالشّعر في الأصل : اسم للعلم الدقيق في قولهم : ليت شعري. وصار في التّعارف اسما (٣) للموزون المقفّى من الكلام ، والشاعر للمختصّ بصناعته. وقوله تعالى ـ حكاية عن الكفّار ـ : (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ)(٤) حمل كثير من المفسرين على أنّهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم ومقفّى حتى تأوّلوا ما جاء في القرآن من كلّ لفظ يشبه الموزون نحو : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(٥) وقال بعض المحصّلين : لم يقصدوا هذا القصد فيما رموه به ، وذلك أنّه ظاهر من هذا الكلام أنه ليس على أساليب الشّعر. ولا يخفى ذلك على الأغتام (٦) من العجم فضلا عن بلغاء العرب. وإنما رموه بالكذب ، فإنّ الشعر يعبّر به عن الكذب ، والشاعر الكاذب حتى سمّوا الأدلة الكاذبة الشعريّة. قال تعالى في وصف عامّة الشعراء : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ)(٧) الآية ولأنّ الشعر مقرّ الكذب. قالوا : أحسن الشعر أكذبه. وقال بعض الحكماء : لم ير متديّن صادق اللهجة مفلقا في شعره.
قلت : ولهذا إنّ شعراء مفلقين كانوا في جاهليّتهم لا يبارون ، فلما أسلموا ضعف شعرهم كحسان ولبيد وغيرهما. وقد وطّنه (٨) حسان من نفسه لذلك. والمشاعر : الحواسّ ؛ فقوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(٩) ونحوه ، أي لا تدركونه بالحواسّ. ولو قال في كثير من
__________________
(١) ١٩٨ البقرة : ٢.
(٢) سمي بذلك لأنه معلم للعبادة وموضع (اللسان ـ مادة شعر) ، والإضافة للسياق.
(٣) وفي الأصل : اسم.
(٤) ٥ الأنبياء : ٢١.
(٥) ١٣ سبأ : ٣٤.
(٦) الأغتم والغتمي : من لا يفصح في كلامه ، جمعها أغتام.
(٧) ٢٢٤ الشعراء : ٢٦.
(٨) وفي س : فطنة.
(٩) ٥٠ الزمر : ٣٩.