إسداء صاحبه إليه. وقيل : الشكر مقلوب من الكشر : وهو الكشف. ومنه : كشّر عن أنيابه. وكاشره بالعداوة. وقيل : أصله : عين شكرى ، أي ممتلئة. فالشّكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه.
ثم الشكر على ثلاثة أضرب : شكر بالقلب ؛ وهو تصور النّعمة من مسديها والاعتراف بها. وشكر باللسان ؛ وهو الثناء على المنعم والبداءة عليه. وشكر بالجوارح ؛ وهو مكافأة المنعم بقدر استحقاقه. وهذا النوع يستحيل من قيام العباد لله ، ومنه الصلاة شكر لله. قال تعالى (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً)(١) فشكرا على هذا تمييز. والتقدير على هذا : اعملوا ما تعملونه شكرا لله تعالى. وقيل : شكرا : مفعول لقوله : (اعْمَلُوا). وقيل : مفعول له ، وإنما قال : اعملوا ، ولم يقل : اشكروا ، تنبيها على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب ، واللسان ، والجوارح ، ومن ثمّ قال بعضهم : الشكر تصور النعمة بالجنان ، وذكرها باللسان ، والعمل لها بالأركان. وإلى الأنواع الثلاثة أشار الشاعر بقوله : [من الطويل]
أفادتكم النعماء منيّ ثلاثة : |
|
يدي ولساني والضّمير المحجّبا |
قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٢) فيه تنبيه على أنّ توفية شكر الله تعالى صعب أو ممتنع. ولذلك لم يثن بالشكر على أوليائه إلا على اثنين : الأول خليله إبراهيم في قوله : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ)(٣). الثاني نوح في قوله : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً)(٤). وقيل : إنما قال تعالى : (الشَّكُورُ) بصيغة المبالغة دون «شاكر» ، لأن الشاكرين غير قليلين. وأما المبالغون في الشّكر فقليلون. ويحكى أنّ عمر رضي الله عنه سمع رجلا يقول في دعائه «اللهمّ اجعلني من عبادك القليل. فقال : يا أخي ما هذا الدّعاء؟ قال : يا أمير المؤمنين سمعت الله تعالى يقول : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) فأنا أطلب أن أكون من أولئك القليل. فقال : كلّ الناس أعلم من عمر».
__________________
(١) ١٣ سبأ : ٣٤.
(٢) ١٣ سبأ : ٣٤.
(٣) ١٣ سبأ : ٣٤.
(٤) ١٢١ النحل : ١٦.