مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)(١) قال الكفار : الأمر إلينا ؛ إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم. فأنزل الله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ، انتهى كلامه وفيه نظر ، إذ يؤدّي إلى أن يريد الإنسان بدون إرادة الله تعالى. وإلى أن يقع في الوجود ما لا يريد. وهذا يقرب ممّا لا يليق ولا يجوز. وأمّا قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فالمعنى فيما فرضه وقرّره علينا من أمر الإفطار لمن لا يقدر على الصّوم يدلّ على ذلك سياق الكلام واتّساقه. ١٨٨ وأما قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ). أي منه ؛ يعني يريد أن لا يظلمهم. وهذا واقع ، فإنّه تعالى لا يظلم أحدا ولا يريد ظلمه. وقال بعضهم : لو لا أنّ الأمور كلّها موقوفة على مشيئة الله تعالى ، وأنّ أفعالنا معلّقة (٢) بها وموقوفة عليها لما أجمع على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا ، نحو قوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً)(٣) ، وغير ذلك من الآي.
ش ي ب :
قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٤) الشيب : ابيضاض الشعر من الكبر غالبا. وقد يرد من مصائب الدّنيا ما يعجل بياضه مع حداثة السنّ. وقد جاء في بعض التفاسير أنّ رجلا بات شابا فأصبح شائبا. فقيل له ، فقال : رأيت وكأنّ القيامة قد قامت ، ورأيت من أهوالها ، فمن ثمّ شبت. ويؤيد هذا قوله تعالى : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً)(٥) وما أفصح هذا الكلام وأعذبه وأعجزه! حيث أتى بهذه اللفظة المقتضية للحنوّ على هذا الجنس ، وأنه قد أصابه ما صيّره شائبا.
ويحكى أنّ عيسى عليه وعلى نبيّنا وعلى سائر النبيين الصلاة والسّلام والحواريين خرجوا ذات يوم سائحين ، فتذاكروا السفينة فقالوا : يا روح الله ، لو بعثت لنا من شاهدها فيخبرنا بها. فأتى تلا من التراب فضربه بعصا كانت معه وقال : قم بإذن الله ، فإذا رجل أشمط فقال : من أنت؟ قال : سام بن نوح. فاستحكوه أمر السفينة فحكى ، فقال له : أمتّ
__________________
(١) ٢٨ التكوير : ٨١.
(٢) في الأصل : متعلقة ، ولعلها كما ذكرنا.
(٣) ٦٩ الكهف : ١٨.
(٤) ٤ مريم : ١٩.
(٥) ١٧ المزمل : ٧٣.