يقتنيه من المعارف ؛ فهو كالحفظ ؛ إلا أنّ الفرق بينهما أنه يقال باعتبار حضوره بالقلب وباللسان. ومنه قيل : الذكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان. وكلّ منهما على نوعين : ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل يقال باعتبار إدامة الحفظ. وعلى هذه الأنواع مدار جميع الآيات ، كما ستمرّ بك مفصّلة.
قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(١) أي أهل العلم من كلّ أمة. وقيل : أهل القرآن. وقيل : أهل الكتب القديمة ، يعني ممّن آمن. قوله : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً)(٢). فالذّكر هنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، جعله نفس الذكر مبالغة أو على حذف مضاف ، وعبّر عن البعث بالإنزال تشريفا له فيكون رسولا بدلا من ذكر ، أو قيل : الذكر هو وصفه عليه الصلاة والسّلام من حيث إنه مبشّر به ومذكور في الكتب القديمة (٣). وهذا كما جعلت الكلمة وصف عيسى من حيث إنه وجد بها من غير واسطة أب كما هو المتعارف. وعلى هذا ف «رسولا» بدل أيضا. وقيل : بل «رسولا» نصب بنفس «ذكرا» (٤) أي أنه ذكر «رسولا» والمراد بشارة الكتب به. قوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ)(٥) هذا من الذكر اللسانيّ ، والمراد به التكبير في أيام التّشريق والتهليل فيها وغير ذلك. قوله : (فَاذْكُرُونِي)(٦) يحتمل ذلك ، ويحتمل امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ويؤيّده : (أَذْكُرْكُمْ) أي برحمتي فهو من المقابلة كقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(٧) فاتّفق اللفظ واختلف المعنى. قوله : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)(٨) يجوز أن يراد التذكير فحذف زوائد المصدر ، وأن يراد الشرف. قوله : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ)(٩) القرآن لقوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ
__________________
(١) ٧ الأنبياء : ٢١.
(٢) ١٠ و ١١ الطلاق : ٦٥.
(٣) الكلام وصف لعيسى عليهالسلام ، كما يأتي.
(٤) وفي الأصل : ذكر.
(٥) ٢٠٣ البقرة : ٢.
(٦) ١٥٢ البقرة : ٢.
(٧) ٥٤ آل عمران : ٣.
(٨) ١ ص : ٣٨.
(٩) ٨ ص : ٣٨.