أَنْزَلْناهُ)(١). قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)(٢) هو الكتب القديمة. ويجوز أن يراد القرآن لأنه وإن تأخر إنزاله عن غيره فهو مقدّم في الرّتبة على غيره ، من حيث إنّه أشرفها ، كما أن المنزل هو عليه أشرف من أنزل عليه كتاب. قوله : (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(٣) ونظائر ذلك ؛ الذّكرى بمعنى التذكير. قوله : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)(٤) التذكرة ما يتذكّر به الشيء. قيل : هو أعمّ من الدّلالة والأمارة. قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)(٥) قيل : تذكّرها بعد نسيانها ، وقيل : تجعلها ذكرا في الحكم. وفي الحرف قراءتان (٦) بيّنّاهما ، وما هو الصحيح في تأويلهما في غير هذا. وقد أبدى بعضهم معنى حسنا في قوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٧) وفي قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ)(٨) من حيث إنه فرّق بينهما بين المذكورين فقال : خاطب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته (٩) فقال : «فاذكروني» فأمرهم أن يتصوّروا نعمته فيتوصّلوا بها إلى معرفته. قوله : (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)(١٠) يجوز أن يراد أنهم يذكّرون الناس بالدار الآخرة ويزهّدونهم في الدّنيا. ويجوز أن يراد أنّهم يكثرون ذكر الآخرة لاهتمامهم بها واشتغالهم عن الدنيا ، فلا يخطرونها ببالهم فضلا عن ذكرها. قوله : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(١١) أي أنّ ذكر ربّك عبده برحمته ، ويجوز أن يجعل الرحمة ذاكرة له مجازا عن إصابتها إيّاه كقولك : ذكرني السلطان ، أي أصابني بخير وإن لم يلفظ باسمك. قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
__________________
(١) ٥٠ الأنبياء : ٢١.
(٢) ١٠٥ الأنبياء : ٢١.
(٣) ٥٥ الذاريات : ٥١.
(٤) ٤٩ المدثر : ٧٤.
(٥) ٢٨٢ البقرة : ٢.
(٦) القراءة في فتح همزة إن وكسرها ؛ فمن كسرها نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها ، ومن فتحها فهو أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه أن يكون فيه تقديم وتأخير ، فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة (معاني القرآن للفرّاء : ١ ١٨٤).
(٧) ١٥٢ البقرة : ٢.
(٨) ١٢٢ البقرة : ٢.
(٩) أي بمعرفة الله تعالى.
(١٠) ٤٦ ص : ٣٨.
(١١) ٢ مريم : ١٩.