قال : ألا ترى أنه قال : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى)(١) أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة. (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٢). وقال : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣) تنبيها أنّ ذلك منهم سهو. انتهى.
ولا شكّ أنّ الله تعالى يقول في حقّ عباده ما شاء وليس لنا أن نقول ذلك إلا على سبيل الحكاية لكلامه تعالى لا على الإخبار. ألا ترى ـ وإن كان بين القياسين بون ـ أنّ السلطان يدعو أكثر خواصّه باسمه ، وينسب إليه بعض الأوصاف فيتحلّى بذلك ويعظّم به عند الناس ، وليس لأحد الخواصّ ممّن هو في رتبته فضلا عمّن هو أعلى بطنا أن يخاطبه ببعض ذلك؟ وأمّا تفسير قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) فحسن جدا ، وهو الذي ينبغي أن لا يجوز غيره. ومثله ما قال الهرويّ : أي لا تعرف شريعة الإسلام فهداك لها ، وهو مثل قوله تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)(٤).
قلت : ومثله قوله تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ)(٥). وقيل : الضّلال هنا : الضياع. يروى أنه ضلّ من جدّه وهو صغير في بعض شعاب مكة ، فردّه أبو جهل. وقيل : بل أضلّته حليمة عند باب الكعبة فردّه الله عليها. وهذا ونحوه لا بأس به. وأمّا ما يروى عن بعض المفسرين : كان على دين قومه أربعين سنة ، فإن عنى خلّوهم من علم الشريعة التي طريقها السمع فمسّلم ، وإن عنى غير ذلك فبرّأه الله من ذلك. وسمعت بعض أشياخي يقول : نمت ليلة مهتما بهذه الآية فرأيت في المنام كأنّ قائلا يقول : مالك؟ فقصصت عليه أمري فقال : المراد ووجد أمّتك ضلّالا فهداهم ، فحذف المضاف للعلم كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٦) فسرّي عني فانتبهت من وقتي فلم أصبر إلى الصباح ، فأوقدت المصباح وكتبته. وأمّا أمر موسى عليهالسلام فإنّ حال فعله ذلك كان حال صباه. فنعني بضلّاله ما تقدّم من أمر الشريعة ، أي لم تكن وصلت إلى شريعة بعد. وأما قول إخوة يوسف
__________________
(١) ٧ الضحى : ٩٣.
(٢) ٢٠ الشعراء : ٢٦.
(٣) ٨ يوسف : ١٢.
(٤) ١١٣ النساء : ٤.
(٥) ٥٢ الشورى : ٤٢.
(٦) ٨٢ يوسف : ١٢.