عن أبيهم ما قالوه. فإن كانوا غير أنبياء فذاك ، وإن كانوا هم فيعنون في بعد عن عادة الناس في محبة أولادهم وغيبوبة الإضلال الذي هو مقابل بالهداية.
قوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي)(١) أي لا يغفل عنه. قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما)(٢) أي تنسى بدليل قوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى). وقرئ : (فَتُذَكِّرَ) بالتشديد فذلك من النسيان الموضوع عن الإنسان. والضّلال من وجه آخر ضربان : ضلال في العلوم النظرية ، كالضلال في معرفة الوحدانية ومعرفة النبوّة المشار إليهما بقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)(٣). أو ضلال في العلوم العمليّة كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات. قوله : (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ)(٤) أي في عقوبة الضّلال البعيد. قوله : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ)(٥) أي غبنا ، وهو كناية عن الموت واستحالة البدن. وقرئ بالمهملة وقد تقدّم تفسيره.
ويقال : أضللت اللبن في الماء. قوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(٦) في تضييع وبطلان. قوله : (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٧) أي أضلّوا غيرهم. والإضلال ضربان : أحدهما أن يكون بسببه الضّلال ، وذلك على وجهين ؛ إما أن يضلّ عنك الشيء كقولك : أضللت الدابّة ، أي ضلّت عني. وإمّا أن يحكم بضلاله. فالضلال في هذين سبب للإضلال. والثاني أن يكون الأمر بالعكس ، فيكون الإضلال سببا للضّلال ؛ وهو أن يزيّن واحد لآخر الباطل فيضلّ كقوله تعالى : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(٨) أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها ضلالك ، فلا يحصل من ذلك التحرّي إلا ما فيه ضلال أنفسهم. وإضلال الباري تعالى لعباده يقال باعتبارين : أحدهما أن يكون سببه
__________________
(١) ٥٢ طه : ٢٠.
(٢) ٢٨٢ البقرة : ٢.
(٣) ١٣٦ النساء : ٤.
(٤) ٨ سبأ : ٣٤.
(٥) ١٠ السجدة : ٣٢.
(٦) ٢ الفيل : ١٠٥.
(٧) ٧٧ المائدة : ٥.
(٨) ١١٣ النساء : ٤.