الضلال ، وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا ، ويعدل به عن طريق الجنة إلى طريق النار في الآخرة ، وذلك الإضلال هو حقّ وعدل ، فالحكم على الضالّ بضلاله ، والعدول به إلى النار عدل. والثاني من إضلاله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه ولزمه وتعذّر (١) صرفه وانصرافه عنه ، ويصير ذلك كالطّبع ، ومن ثمّ قيل : العادة طبع (٢) : [من المتقارب]
يراد من القلب نسيانكم |
|
وتأبى الطباع على الناقل |
وهذه القوة في الإنسان فعل إلهيّ ؛ قال الراغب (٣) : وإذا كان كذلك ، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن كلّ شيء يكون سببا في وقوع فعل تصحّ نسبة ذلك الفعل إليه. فيصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه فيقال : أضلّه الله ، لا على الوجه الذي يتصوره الجهلة. قال : ولما قلناه جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)(٤)(وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ)(٥). وقال في الكافر والفاسق : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(٦)(وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)(٧). قال : وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة والأبصار في قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ)(٨). والختم على القلب في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٩). وزيادة المرض في قوله : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)(١٠).
قلت : مذهبه في ذلك مذهب معتزليّ ، والحقّ أنه يجوز نسبة ذلك إلى الله حقيقة
__________________
(١) وفي الأصل : تعسر.
(٢) البيت للمتنبي في مديح سيف الدولة (شرح العكبري : ٣ ٢٢).
(٣) المفردات : ٢٩٩.
(٤) ١١٥ التوبة : ٩.
(٥) ٤ محمد : ٤٧.
(٦) ٨ محمد : ٤٧.
(٧) ٢٦ البقرة : ٢.
(٨) ١١٠ الأنعام : ٦.
(٩) ٧ البقرة : ٢.
(١٠) ١٠ البقرة : ٢.