كالاستقامة. قال بعضهم (١) في تفسيرها : وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتّيا. قال : وهو عند المحققين اسم للمعاني التي بها يتمكّن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل ، وهي أربعة أشياء : بنية مخصوصة للفاعل ، وتصوّر للفعل ، ومادة قابلة لتأثيره ، وآلة إن كان الفعل آليا كالكتابة (٢) ؛ فإن الكاتب محتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة (ولذلك يقال : فلان غير مستطيع للكتابة) (٣) إذا فقد واحدا من هذه الأربعة (فصاعدا. ويضادّه العجز وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدا ، ومتى وجد هذه الأربعة كلّها فمستطيع مطلقا) (٤). ومتى فقدها فعاجز مطلقا ، ومتى وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه. ولأن يوصف بالعجز أولى.
والاستطاعة أخصّ من القدرة ، وقال بعضهم : الاستطاعة الإمكان ، والإمكان إزالة الموانع. وقوله : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة ، وقد مرّ تفسيره عليه الصلاة والسّلام لها. قال الراغب : قوله عليه الصلاة والسّلام : «الاستطاعة الزاد والراحلة» (٥) فإنه بيان لما يحتاج إليه من الآلة ، وخصّه بالذكر دون الآخر إذ كان معلوما من العقل. ومقتضى الشّرع أنّ التكليف بدون تلك الأخر لا يصحّ. قلت : ويظهر جواب آخر وهو أنه عليه الصلاة والسّلام إنما ذكر معظم الأشياء وهو هذان المذكوران وغيرهما كالتابع لهما.
قوله : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ)(٦) فالإشارة إلى عدم الآلة من المال والظّهر. قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا وَلَوْ حَرَصْتُمْ)(٧) قيل : إنه قد يقال : فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرياضة ، وذلك يرجع إلى افتقاد الآلة أو عدم التصوّر. وقد يصحّ معه التكليف ، ولا بصير به الإنسان معذورا ، ومثله قوله : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(٨).
__________________
(١) يريد الراغب في المفردات : ٣١٠.
(٢) وفي الأصل : آلة كالكاتب ، والتصويب من المفردات.
(٣) الكلام ساقط من س.
(٤) الكلام ساقط من س.
(٥) الترمذي ، الحج : ٤.
(٦) ٤٢ التوبة : ٩.
(٧) تمام الآية : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ...) (١٢٩ النساء : ٤)
(٨) ٦٧ الكهف : ١٨.