هذه المادّة في القرآن إلا ذا اسم الإشارة على رأي بعض النحاة ، وذلك أنّ الأسماء المتوغّلة في البناء لا يدخلها اشتقاق ولا تصريف ، وإن ذكر بعض النحويين فيها شيئا من ذلك فللتّمرين. ومذهب البصريين أنّ ذا ثنائيّ الوضع لأنّه مبنيّ كالحرف. ومذهب الكوفيين أنه ثلاثيّ الوضع ، وأنّ أصله «ذي ي» بدليل تصغيرهم له على ذيّا ، والأصل ذييّا فحذفت إحدى الياءين غير ياء التصغير (١) وعوّض منها الألف. وقيل : بل هي عوض من ضمّ أوّله. وفيه كلام طويل حقّقناه في غير هذا ، لا غرض لنا في التّطويل به هنا إذ لا تعلّق له بالمعنى. وفيه لغة ذآ ، بالمدّ. ويقال في التوسّط ذاك (٢) وفي البعد ذلك وآلك ؛ فله ثلاث مراتب على المشهور عند النّحاة ، ومؤنثه ذي وذه ، وتي وته ، وتا وذات وتسكّن هاء ذه وته ، وتشبع وتختلس وتثنى ذات وتا وجمعهما أولى. وقد تقصر وتلحق هاء التنبيه جميعها إلا ما فيه لام البعد ، والكاف حرف خطاب جارية مجرى الاسم مطابقة. ويكون ذا موصولا مع ما أو من الاستفهامية بشرط ألا يلغى وألا يراد به الإشارة. فالأحسن حينئذ جوابه بالرفع. وإذا أبدل منه وجب الرفع. وقرئ قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)(٣) برفع العفو على أنه موصول ، ونصبه على أنه غلب عليه الاستفهام. وأجمع في السّبع على نصب «خيرا» ورفع «أساطير» من قوله : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً)(٤)(ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٥) ومن البدل قوله (٦) : [من الطويل]
ألا تسألان المرء ما ذا يحاول |
|
أنحب فيقضى ، أم ضلال وباطل؟ |
وقولهم : عمّا ذا يسأل هو على جعله مع ما بمنزلة اسم واحد ، ولذلك يثبت ألف ما الاستفهامية مجرورة لوقوعها حشوا (٧) ، وقول الآخر (٨) :
__________________
(١) يعني الياء الأولى.
(٢) وفي الأصل : ذلك.
(٣) ٢١٩ البقرة : ٢. يقول الفراء (معاني القرآن : ١ ١٤١) : وجه الكلام فيه النصب ، يريد : قل ينفقون العفو ، وهو فضل المال قد نسخته الزكاة.
(٤) ٣٠ النحل : ١٦.
(٥) ٢٤ النحل : ١٦.
(٦) البيت للشاعر لبيد (الديوان : ٢٥٤) وهو مطلع رثائه للنعمان.
(٧) والأصل إسقاط الألف فتقول : عمّ؟ لم؟
(٨) كذا في الأصل.