نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى)(١). قوله : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ)(٢) يجوز أن يكون المعنى : فردّ الكفار أيديهم في أفواه أنفسهم غيظا وحنقا ، كقوله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)(٣). ومثله قول صخر الهذليّ (٤) : [من المتقارب]
قد افنى أنامله أزمه |
|
فأمسى يعضّ عليّ الوظيفا |
وقيل : فعلوا ذلك إشارة إلى تسكيت الرّسل كما يشير الرجل بإصبعه إلى فيه ليسكت من يخاطبه. وقيل : فردّ الكفار أيدي الرّسل في أفواه الرّسل ليسكتوهم. وقيل : ردّ الكفار أيديهم في أفواه الرّسل. وكلّه محتمل. وفي ذكر الردّ تنبيه أنّهم فعلوا ذلك مرة بعد أخرى. وقوله : (فَارْتَدَّ بَصِيراً)(٥) أي رجع وصار. قوله : (يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ)(٦) أي يرجعونكم ويصيّرونكم إلى حالة الكفر بعد أن فارقتموه. والارتداد والرّدّة : الرجوع في الطريق الذي كان فيه ، إلّا أنّ الردّة اختصّت بالكفر ، والارتداد في الكفر وفي غيره. قال تعالى : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ)(٧) ، وقوله تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً)(٨) ، وقوله : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ)(٩) أي إذا تحقّقتم أمرا وعرفتم خبره فلا ترجعوا عنه. وفي الحديث : «البيّعان يترادّان» (١٠) أي يردّ كلّ واحد منهما ما أخذ. وردّ يتعدّى لواحد إذا كان بمعنى صرف كما تقدّم ، وإلى اثنين إذا ضمّن معنى صيّر كقوله (١١) : [من الوافر].
رمى الحدثان نسوة آل سعد |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
__________________
(١) تتمة الآية السابقة.
(٢) ٩ إبراهيم : ١٤.
(٣) ١١٩ آل عمران : ٣.
(٤) ديوان الهذليين : ٢ ٧٣. والصدر في الأصل مضطرب صوبناه منه. والأزم : العض. أزم يده : عضّها.
(٥) ٩٦ يوسف : ١٢.
(٦) ١٠٩ البقرة : ٢.
(٧) ٥٤ المائدة : ٥.
(٨) ٦٤ الكهف : ١٨.
(٩) ٢١ المائدة : ٥.
(١٠) يقول الراغب : «قيل في الخبر : البيعان يترادان» (المفردات : ١٩٣) ، وفي النهاية : ١ ١٧٣ : «البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا».
(١١) في اللسان ـ سمد. وفيه : آل حرب.