الخطاب لغيره] ومعنى الخوض التكذيب ، وأصله التّخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللّعب ، وترك التفهيم والتبيّن ، وقريب منه قول المفسّرين أنّه في الآية الشروع في آيات الله على سبيل الطعن والاستهزاء وقد كان قريش في أنديتهم يفعلون ذلك (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي اتركهم ولا تجالسهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) قد تقدّم الكلام في ذلك.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) أي إن أنساك الشّيطان النهي عن الجلوس معهم (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فلا تقعد معهم في شيء من المجالس بعد أن تذكر النهي عن المجالسة ، ووضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم ، ويجوز أن يكون المراد إن كان الشيطان ينسينّك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين لأنّها ممّا تنكره العقول ، فلا تقعد بعد أن ذكّرناك قبحها ونبّهناك عليه ، بالنّهي عن المجالسة معهم.
وإضافة الإنساء إلى الشيطان مع أنّه من الله تعالى لأنّه تعالى أجرى عادته بأن يفعل النّسيان عند الاعراض عن الذكر ، وتراكم الخواطر الرديّة والوساوس الفاسدة من الشيطان ، فجاز إضافة النّسيان إليه لما حصل عند فعله كذا في مجمع البيان (١).
ثمّ قال بعد ذلك : وقال الجبائي في هذه الآية دلالة على بطلان قول الإماميّة في جواز التقية على الأنبياء وعلى الأئمّة ، وأنّ النّسيان لا يجوز على الأنبياء ، وهذا القول غير صحيح ولا مستقيم لأنّ الإماميّة إنّما تجوّز التقيّة على الامام فيما يكون عليه دلالة قاطعة توصل إلى العلم ، ويكون المكلّف مزاح العلّة في تكليفه ، فأمّا ما لا يعرف إلّا بقول الامام من الاحكام ، ولا يكون على ذلك دليل إلّا من جهته فلا تجوّز عليه التقيّة فيه ، ويمكن أن يجاب بأنّ الآية لا تدلّ على عدم جواز التقيّة ، فإنّها مطلقة يجوز تقييدها بعدم الخوف والضرر ، وعدم المفسدة ، مع أنّ الإماميّة لا تجوّز
__________________
ـ الى تهمته ثم أتى النعمان فحياه وأكرمه فعاد ونزل على أخيها فتطلعت اليه نفسها وكان جميلا فأرسلت إليه اخطبنى ان كانت لك الى حاجة فخطبها وتزوجها وساربها الى قومه.
(١) المجمع ج ٢ ص ٣١٧.