كالبهائم نأكل ونعيش ونموت ، بل علينا تكاليف إلزامية من الواجبات والمحرّمات يحكم العقل بوجوب العمل على ما يؤمن من العقاب ، وذلك بأن نحتاط في جميع الأمور بأن نأتي بكلّ ما نحتمل وجوبه ونترك كلّ ما نحتمل حرمته حتى نأمن المؤاخذة الأخروية والعقاب الإلهي ، ولكنّه لا يمكننا اقتناء الاحتياط سبيلا للنجاة ؛ لأنّ الاحتياط :
إمّا غير ممكن ؛ لأنّ ما يحتمل وجوبه كثير ، كما أنّ ما يحتمل حرمته أيضا كثير بحيث لا يسع المكلّف القيام بجميع ما يحتمل أنّه واجب وترك كلّ ما يحتمل أنّه حرام ، مضافا إلى أنّه قد يجتمع في فعل واحد احتمال الوجوب والحرمة ، فيمتنع الاحتياط.
وإمّا إنّه غير واجب ؛ لأنّ العمل به يوجب اختلال النظام ؛ إذ يلزم منه أن يترك الإنسان كلّ ما يرجع إلى معاشه ويتعلّق بحياته ، ويصرف أوقاته كافّة في إتيان ما يحتمل وجوبه وترك ما يحتمل حرمته ، ومعلوم أنّ الشارع لا يوجب شيئا يستوجب اختلال النظام.
وإمّا لأنّ العمل بالاحتياط يستلزم وقوع الإنسان في العسر الأكيد والحرج الشديد ، وقد نفاهما الشارع في كتابه عن المكلّفين قال سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) ، وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٢).
فعليه يتبيّن أنّه ليس للمكلّف العمل بالاحتياط في جميع المسائل الشرعية التي لا يعلمها ، وليس لديه طريق آخر يعتمد عليه في تحصيل الأمن
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) البقرة : ١٨٥.