لو اتصل بجسم شخص لبعث فى عضلاته قوة ونشاطا نحو العمل ، ولو لا تلك القوة الكهربائية لاصبح الشخص غير قادر على تحريكها ، ولنفرض ان رأس السلك الكهربائى بيد طبيب حاذق كان هو الساعى لا يصال تلك القوة فى كل آن الى جسم ذلك الشخص ، فلو اوصل الطبيب تلك القوة بالجسم ، وذهب الشخص فقتل نفسا محترمة بغير حق ، والطبيب يعلم بذلك. فالعمل مستند الى كليهما : اما الطبيب ، فلانه هو المعطى للقوة ، والقدرة حال العمل. واما العبد ، فقد كان متمكنا من الايجاد ، وعدمه بعد ان وجدت القدرة فيه ، وقد فعل العمل باختياره ، وهذا هو الامر بين الامرين.
وافعال العباد كلها من هذا القبيل. فان الله ـ سبحانه وتعالى ـ افاض عليهم الوجود ، واعطاهم قدرة كاملة فى انفسهم فى كل آن لاحتياج الممكن الى علة حدوثا وبقاء. فكان تعالى هو الموجد للمقتضى فى الشخص نفسه فاستند الفعل اليه تعالى لهذه الجهة ، كما استند الى العبد نفسه : باعتبار انه صدر الفعل منه بارادته ، واختياره ، واوجده بعد ان كان متمكنا من عدم ايجاده. واعمل القدرة فى ذلك فاختار العمل السيئ بالرغم من تمكنه من اعمال قدرته فى الموارد الحسنة لان الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يمنحه قدرة محددة خاصة ، وانما هى عامة يستطيع ان يعملها فى سائر الموارد الحسنة والقبيحة ، ولكن سوء اختياره دفعه الى ارتكاب العمل السيئ فكان جزاءه العقاب.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ وان تمكن من ان يصد العبد عن ارتكاب هذا العمل ، وذلك بايجاد المانع ، او بعدم افاضته القدرة حال العمل. إلّا ان مقدرته على ذلك لا توجب ان لا يسأل العبد عن فعله ، ولا يعاقب بما ارتكبه. وبهذه الطريقة امكن الاحتفاظ بحدود السلطنة والعدالة لله