فالوضع من الامور الاعتبارية : بمعنى أن اللفظ يعتبر وجودا ثانيا للمعنى ، فاذا أطلق اللفظ فقد وجد المعنى.
ولا يخفى (اولا) ـ أن المعنى المذكور وإن كان معقولا فى نفسه ، إلّا أن المانع من الالتزام به أنه أمر دقىّ محتاج الى التفات ونظر ، بينما نجد الوضع يصدر من الاطفال ، بل يمكننا ان ندعى صدور الوضع من بعض الحيوانات ـ على نحو الموجبة الجزئية ـ كما نشاهد فى الهرة عند ما تصرخ بصوت ، وهى تريد جمع اطفالها الصغار ، وربما تصرخ بصوت آخر وهى تريد ان تزجر ما قابلها من العدو ، وما شاكل ذلك.
(ثانيا) ـ ان الالتزام بهذا المعنى بلا ملزم ، فان الغرض من الوضع الدلالة على الشىء ، وهذا المعنى يقتضى الاثنينية بين الدال والمدلول عليه ، فجعله وجودا واحدا جعل من غير ملزم. واما ما ورد من دعوى ان اللفظ فى مرحلة الاستعمال يغفل عنه غالبا ، وهذا آية ان المتكلم يريد إيجاد المعنى فى الخارج ، فالجواب عنه ان المغفولية وإن كانت تامة فى الغالب ، لان المستعمل ليس من قصده إلا إظهار المعنى ، فنظره الى اللفظ نظر آلى وطريق الى المعنى ، فهو كالمشاهد فى المرآة إذا كان من قصده النظر الى صورته ، فلا يكاد يلتفت إلى المرآة نفسها إلا التفاتا آليا ، فتذهب عليه الخصوصيات الموجودة فيها ، اما الجاعل للمرآة والواضع للالفاظ ، فكل منهما ينظر الى الشىء نظرا استقلاليا ، ويرى جميع الخصوصيات ، إلا ان هذا لازم أعم لكون الوضع اعتبار وجود اللفظ وجودا للمعنى.
وكيف كان فهذا الوجه غير تام.
القول الرابع ـ ذهب بعض مشايخنا المحققين (قده) إلى ان الوضع