والصحيح ان يقال : إن كل شخص إذا تأمل فى وضع أسماء الاشارة واستعمالها وجد كلمة (هذا) التى هى اسم من الاسماء لا تدل على مفهوم المفرد المذكر ، بل تدل على واقع ذلك المفهوم ، فهى موضوعة بازاء واقع ذلك المفهوم الكلى الذى قد يكون من المفاهيم الجزئية من زيد وعمرو والكتاب والدار ... الخ. وقد يكون من المفاهيم الكلية كمداليل أسماء الاجناس. والاستعمال فى ذلك الواقع لا بد وان يقترن بالاشارة الحسية الخارجية من الراس ، او العين ، او اليد ، او بالاشارة الباطنية فكانت الاشارة الحسية شرطا للدلالة ، حيث ان الواضع قد وضع كلمة (هذا) للدلالة على واقع المفرد المذكر بشرط الاشارة إليه. فاذا استعملت ولم يأت بالاشارة الى ما اريد منها فقد انتفت الدلالة فكل مورد تستعمل فيه كلمة (هذا) ـ كما لو قال : هذا زيد ـ فلا بد من اقترانها بالاشارة كاليد او العين او الرأس. ولا يصح لاحد ان يترك هذه الاشارة معتمدا على مجرد كلمة (هذا) فقط. وهكذا حينما يقال : (هذا محال) مشيرا بكلمة (هذا) الى اجتماع الضدين مثلا ، او (إن هذا المطلب صحيح) مشيرا باشارة باطنية الى مطلب خاص. وهكذا اسماء الموصول والضمائر على هذا القياس.
وقد ظهر من هذا ان اسماء الاشارة واخواتها موضوعة بالوضع العام ، والموضوع له خاص. لما عرفت ان الموضوع له واقع ذلك المفهوم ، وإن كان المتصور نفس المفهوم ، ولكن تصوره كان مرآة الى واقعه.
والمتحصل من هذا ان القسم الثالث من الوضع ممكن وواقع ، لا كما ذهب اليه صاحب الكفاية ـ قده ـ من ان القسم الثالث ممكن وغير واقع.