ان يحضر المعنى فى الذهن ـ فكانت الالفاظ هى المتكفلة لهذا الامر. اما الاشياء التى هى بارزة امام المخاطب بنفسها فالحاجة لا تدعونا للاستعانة بلفظ للحكاية عنها ، فانه يلزم تحصيل الحاصل ومن هذا القبيل نفس الالفاظ فانها موجودة أمام السامع لا تفتقر فى مقام الاظهار إلى لفظ آخر يبرزها ، وربما يتعلق الغرض بالحكم عليها وهو يختلف :
(فتارة) يحكم على اللفظ بشخصه ، وبما هو هو ـ كما لو قلنا : (زيد ثلاثى) وأريد به شخصه ، فهذا النحو خارج عن مرحلة الاستعمال ـ لانه ليس كسائر الاستعمالات المتعارفة ، بل هو من قبيل إحضار نفس الموضوع ـ فيكون إطلاق اللفظ وإرادة شخصه صحيحا.
وقد تصدى صاحب الكفاية ـ قده ـ لتصحيح هذا النحو من الاستعمال بما حاصله ان للفظ حيثيتين : أحدهما ـ حيثية صدوره من المتكلم ـ وثانيهما ـ حيثية تعلق الارادة به ، وكونه مرادا. فمن حيث كونه صادرا دال ، ومن حيث كونه مرادا مدلول ، ويكفى فى تعدد الدال والمدلول هذا الاعتبار.
ولا يخفى ما فيه ـ : فان دلالة اللفظ على كونه مرادا ، وإن كان صحيحا. إلّا ان هذه الدلالة عقلية لان كل فعل يصدر عن فاعله فاما بالطبع ، أو بالقسر ، أو بالاختيار. ومع انتفاء الاولين يتعين الثالث عقلا ، وذلك كما لو صدر القيام من زيد فانه يدل على صدوره من فاعله ، وعلى كونه اختياريا ، وهذه دلالة عقلية والكلام ليس فى الدلالة العقلية ، بل فى الدلالة الاستعمالية. بأن يستعمل اللفظ فى معنى فالسامع ينتقل الى اللفظ أولا ، وإلى المعنى ثانيا. وهذه الدلالة الاستعمالية فى شىء واحد مستحيل ، إذ لا معنى لكون شىء واحد منتقلا إليه أولا باعتباره لفظا ومنتقلا إليه ثانيا باعتباره معنى.