وإن قلنا : بأنه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة ؛ ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة ، بمجرد سوء سريرته أو حسنها ، وإن كان مستحقا للوم أو المدح بما يستتبعانه (١) ، كسائر الصفات والأخلاق الذميمة أو الحسنة.
وبالجملة (٢) : ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحا أو لوما ، وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافا إلى أحدهما (٣) ، إذا صار بصدد الجري على
______________________________________________________
وأما الثاني : فلأنه لو كان الموجب لاستحقاق العقاب مجرد عنوان شرب الخمر للزم استحقاقه على شربه حال الجهل به أو الغفلة عنه ؛ كاستحقاقه على الشرب حال العلم والالتفات ، لصدق عنوان شرب الخمر في الجميع ، مع إنه ليس كذلك قطعا ، فتعيّن أن يكون المناط في استحقاق العقاب هو العنوان الثالث ـ أي : شرب الخمر المعلوم تعلق النهي به ـ إذ به يصير العبد خارجا عن رسوم العبودية ، ويكون بصدد الطغيان على مولاه ، ومن المعلوم : أن هذا المناط موجود في حق المتجري كوجوده في حق العاصي ، فإن المتجري أيضا في مقام الطغيان على مولاه وهتك حرمته ؛ لفرض اعتقاده جزما بأن ما يشربه هو الخمر المبغوض للمولى ؛ وإن صادف كونه خلا أو ماء ، فلا بد من القول باستحقاقه للعقاب لاشتراكه مع العاصي فيما هو الملاك لاستحقاق العقوبة ، هذا بالنسبة إلى التجري.
ويجري الكلام بعينه في الانقياد ، فإن الانقياد هو : العزم على موافقة المولى كالإطاعة وهو المناط في استحقاق المثوبة ، فهما مشتركان في المناط.
(١) الضمير راجع على «ما» الموصولة المقصود به العزم على الموافقة أو المخالفة. وضمير التثنية راجع على سوء السريرة أو حسنها والباء للسببية. يعني : إن سبب اللوم والمدح ليس نفس هاتين الصفتين ـ أعني : سوء السريرة وحسنها ـ بل ما يترتب عليهما من العزم على المخالفة وتمرد المولى ، والعزم على الموافقة والانقياد للمولى ؛ «كسائر الصفات والأخلاق الذميمة أو الحسنة» كالشجاعة والجبن والجود والبخل ، فإنها وإن كانت لا توجب ثوابا أو عقابا ، ولكنها موجبة للمدح والذم فيقال : «فلان كريم» في مقام المدح ، «أو بخيل» في مقام الذم.
(٢) هذا حاصل ما أفاده آنفا من عدم ترتب المثوبة أو العقوبة على مجرد سوء السريرة أو حسنها.
(٣) أي : المدح والذم. والضمير في «بها» و «طبقها» و «وفقها» راجع إلى الصفة الكامنة.