يكون وجوده بالاختيار ، للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة ـ يمكن أن يقال : إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجرّيه عليه كما كان من تبعته بالعصيان في صورة المصادفة ، فكما أنه يوجب البعد عنه.
______________________________________________________
الثالث : التصديق بترتب تلك الفائدة عليه.
الرابع : هيجان الرغبة إلى ذلك الفعل ، وهو المسمى بالميل.
الخامس : الجزم وهو : حكم القلب بأن هذا الفعل مما ينبغي صدوره بدفع موانع وجوده أو رفعها عنه.
السادس : القصد ، وقد يعبر عنه بالعزم وهو : الميل أعني : عقد القلب على إمضاء صدور الفعل.
السابع : أمر النفس وتحريكها للعضلات ـ التي هي عوامل النفس ـ نحو صدور الفعل.
إذا عرفت هذه الأمور السبعة فاعلم : أن الأربعة الأولى بالترتيب ـ أعني : حديث النفس ، وتصور الفائدة ، والتصديق بترتبها ، والميل ـ ليست باختيارية. وأما الجزم والقصد فهما من حيث الاختيار والاضطرار مختلفان بحسب اختلاف حالات الإنسان في القدرة على الصرف والفسخ بسبب التأمل فبما يترتب عليه من التبعات ، وفي عدم القدرة على الفسخ لشدة ميله إلى الفعل بحيث لا يلتفت إلى تبعاته ، أو لا يعتني بها ، والمؤاخذة تحسن على الاختياري منه دون الاضطراري.
وبالجملة : فالمتجري والمنقاد إنما يعاقب ويثاب على بعض مقدمات الاختيار من القصد والجزم ؛ لا على نفس العمل.
فالمراد من بعض مبادئ الاختيار في قوله : «بعض مباديه» هو الجزم والقصد والتصديق بالفائدة.
قوله : «يمكن أن يقال» إشارة إلى الوجه الثاني وهو الجواب النقضي.
وحاصله : يرجع إلى منع قبح استحقاق العقاب على ما لا يرجع إلى الاختيار.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن استحقاق العقوبة تارة : يكون لأجل المعصية ، وأخرى : لأجل بعد العبد عن مولاه الحقيقي وهو الله تعالى. وهذا البعد معلول للتجري كما هو معلول للمعصية الحقيقية.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن حسن المؤاخذة في المعصية معلول للبعد الناشئ عن