كذلك (١) لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة ، فإنه وإن لم يكن باختياره ، إلا إنه بسوء سريرته وخبث باطنه بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وإمكانا.
______________________________________________________
العصيان الذي لا يكون اختياريا ؛ لأن العصيان عبارة عن المخالفة العمدية ، والعمد ليس باختياري ؛ بل الاختياري هو نفس المخالفة التي لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ؛ وإلا لكان يترتب عليها استحقاق العقوبة في موارد الأصول العملية.
فالحاصل : أن استحقاق العقوبة إنما هو من تبعات بعد العبد عن مولاه ، وهذا البعد معلول للتجري كما هو معلول المعصية.
فالنتيجة : أن العقاب في كل من التجري والمعصية معلول للبعد الناشئ من إرادة المخالفة والطغيان ، وهي تنشأ من العزم المعلول للجزم الناشئ من الميل إلى القبح المعلول للشقاوة وهي سوء السريرة ، المستند إلى ذات العبد ، ومن المعلوم : أن الذاتيات ضرورية الثبوت للذات ، وبعد انتهاء الأمر إلى الذاتي ينقطع السؤال بلم ، فلا يقال : «إن الكافر لما ذا اختار الكفر» و «لم اختار العاصي المعصية» ، وكذا يقال في جانب الإطاعة والإيمان ، فإنّ كل ذلك لما كان منتهيا إلى الخصوصية الذاتية فلا مجال للسؤال عنه ؛ لأنه مساوق للسؤال عن «أن الإنسان لم صار ناطقا والحمار لم صار ناهقا» ، فكما لا مجال لمثل هذا السؤال ، فكذا في المقام لا مجال للسؤال عن اختيار الكفر والعصيان والإطاعة والإيمان ، وتقدم بسط الكلام في الجزء الأول في بحث اتحاد الطلب والإرادة فراجع.
قوله : «إن حسن المؤاخذة» : تقريب الجواب.
(١) أي : فكما أن التجري يوجب البعد عن السيد فكذلك «لا غرو ...» الخ ، يعني : لا عجب في أن يكون التجرّي موجبا لاستحقاق العقوبة وحسن المؤاخذة.
فالمتحصل من مجموع ما أفاده المصنف في المتن وحاشيته عليه : هو دفع الإشكال بوجهين :
أحدهما : النقض بالمعصية بمعنى : أن العقوبة في التجري كالعقوبة في المعصية من لوازم سوء السريرة الراجع على نقصان الذات الذي هو من الذاتيات التي لا تفارق الذوات ، وليس بالجعل ؛ لعدم جعل تأليفي بين الشيء وذاتياته ؛ كما تقدم في أوّل مباحث القطع ، فليس العقاب على ارتكاب المعاصي للتشفي المستحيل في حقه «تبارك وتعالى» ؛ بل لما يقتضيه ذات العاصي ، وإذا انتهى الأمر إلى ذاتي الشيء ارتفع الإشكال وانقطع السؤال بأنه لم اختار العاصي المعصية ...
وثانيهما : الحل ؛ لأن الاختيار وإن لم يكن بجميع مبادئه اختياريا إلا إنه اختياري ولو