لكن هل يعتبر طول زمان المنفعة أولا؟ ظاهر الأكثر كما اعترف به في الروضة والنصوص الثاني ، فيصح حينئذ وقف ريحانة يسرع فسادها ، وربما احتمل الأول ، بل هو ظاهر جماعة وصريح محكي التذكرة والتحرير ، لدعوى الانسباق الممنوعة على مدعيها ، وللمنافاة للتأبيد المراد من الوقوف الذي يدفعها معلومية عدم إرادة أزيد من عمر العين منه ، وإلا لم يصح وقف أبدا ، لعدم عين عمرها الأبد كما هو واضح.
وكذا لا يعتبر فعلية النفع ، بل يكفي تأهله ، فيصح وقف الفلو والجحش ، والعبد الصغار ، بلا خلاف أجده ، لإطلاق الأدلة أيضا وكذا يصح وقف الكلب المملوك ككلب الصيد والماشية والزرع والحائط بناء على ملكيتها والسنور وغيرها من الحيوانات التي تدخل تحت الملك ، ولها منافع مقصودة محللة ، لحصول مقتضى الصحة حينئذ من ملك الأصل ولإمكان الانتفاع به المحلل مع بقاء العين.
نعم لو قلنا بعدم ملكها وأن لصاحبها حق الاختصاص ، ولكن له الانتفاع بها اتجه حينئذ عدم صحة وقفها ، بناء على اعتبار ملك الأصل ، بل لعل قوله حبس الأصل وسبل الثمرة يشمله ، إذ لا دلالة في الأصل على اعتبار كونه مملوكا وهو واضح ، نعم لا يصح وقف الخنزير ، لأنه لا يملكه المسلم وكذا غيره من كلب الهراش ، ونحوه مما لا يدخل تحت يد المسلم على وجه يملك منفعته بلا خلاف أجده فيه ، أما الكافر فالأقرب صحة وقفه له على مثله ، كما في القواعد وغيرها ، بناء على صحة الوقف منه لمعاملته معاملة الملك في حقه ، والمراد بصحة الإقباض في المتن القدرة على تسليمه أو ما يشملها ، ولذا قال ولا وقف الآبق لتعذر التسليم مفرعا له على ذلك ، وهو جيد فيما يرجع منه إلى السفه ، كالطير في الهواء والسمك في الماء ، أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل على عدم جوازه ، لإطلاق الأدلة التي ليس في شيء منها ما يقتضي مقارنة إمكان القبض للعقد في الصحة ، بناء على اعتبارها فيها ، بخلاف البيع المعتبر فيه ، عدم الغرر ، الذي هو بمعنى الخطر ، وحينئذ فيقف الآبق فإن قبض بعد ذلك صح ، وإلا فلا كما صرح به ثاني المحققين والشهيدين ، وأولى بالصحة وقفه على القادر على تسلميه لحصول الإقباض من المالك الذي هو بمعنى الإذن فيه من جهته ، بل قد عرفت في كتاب البيع قوة صحة بيع مثله ، فضلا عن وقفه.