فإنه حينئذ يتجه التبديل إلى الحق ، أما في غير ذلك فليس إلا البطلان الذي يمكن أن يكون أيضا من التبديل إلى الحق ، لأن المراد منه إرجاعها إلى ما يقتضيه الشرع ، وهو مختلف كما عرف فتدبر.
ثم لا فرق في استفادة الحكم المزبور وغيره من آية « ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ ) (١) » إلى قوله ( غَفُورٌ رَحِيمٌ ) بين القول بكونها منسوخة بآية المواريث (٢) والقول بكونها غير منسوخة لعدم التنافي بين الإرث والوصية للوارث ، فإن حكم الوصية وعدم جواز التبديل إلا مع الجنف مستفاد على كل حال ، كما أن الظاهر عدم اعتبار المال الكثير في رجحان الوصية لإطلاق لفظ الخبر المراد به المال ، ولم يثبت تقييده بذلك ، بل ولا خصوص الوالدين والأقربين ، وإن كانوا أولى من غيرهم ، بل المراد مطلق الوصية بالمعروف.
وأما الحصر في الآية فيحتمل إرادة إثم التبديل منه ، على معنى أن الإثم للتبديل على المبدل ، دون الموصى ، لأنه (٣) ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ويحتمل إرادة حصر إثم الموصى له في المبدل ، دون الميت الذي ارتفع الإثم عنه بوصيته فيه وربما يشهد له النبوي (٤) « من حضره الموت فوصى وصية على كتاب الله كان كفارة لما منع من زكاته في حياته » بل وغير ذلك من الوجوه الاعتبارية ، ولتمام الكلام في الآية محل آخر والله العالم.
وكيف كان فلو أوصى بمال للكنائس التي هي معابد النصارى ومحال سبهم للحق وأهله والعبادات الفاسدة البيع التي هي لليهود كذلك أو كتابة ما يسمى الآن توراة وإنجيلا وليس كذلك ، لأنه قد حرف جمله منهما وبه كانا من كتب الضلال أو في مساعدة ظالم على ظلمه بل فاسق على فسقه بطلت الوصية لما عرفت ، وإن قلنا بجواز الوصية لليهود مثلا.
والضابط أن كلما جاز له فعله حال الحياة جاز له الوصية به ، وكلما لم يجز له ذلك لم يجز له
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٨٠ ـ ١٨٣.
(٢) سورة النساء الآية ـ ١٢.
(٣) سورة الأنعام الآية ـ ١٦٤.
(٤) صحيح ابن ماجة ج ٢ ص ٩٠٢ الحديث ٢٧٠٥.