نعم ذكر بعد ذلك ما قلناه من تعلق الوصية باسم الإشارة ونحوه ، ثم قوى عدم بطلان الوصية فيه ، معللا له بأنه لا اسم كي تنتفي بانتفائه ، فلا حظ فتأمل.
وكذا الكلام فيما لو أوصى بزيت مثلا فخلطه بما هو أجود منه ، أو بطعام فمزجه بغيره كذلك حتى لا يتميز فإنه أيضا قد ذكر غير واحد كونه رجوعا ، بل في المسالك ظاهرهم القطع بذلك لتجدد وصف لم يحصل الرضا ببذله ، مع عدم إمكان الفصل ، ولكونه كالتلف ، ولدلالة هذا الفعل عرفا على الرجوع.
لكن في الأول منع اقتضائه البطلان ، ضرورة بقاء عين الموصى بها في نفس الأمر ، وعدم تمييزها لا يقتضي بطلانها عرفا ولا شرعا ، ولا ينافي قبول تمليكها فإذا ملكها الموصى له شاركه بنسبة القيمة ، فلم يحصل وصف للموصى له ولم يوص به ، ودعوى كونه كالتلف كدعوى الدلالة واضحة المنع ولذلك اعترف غير واحد بعدم البطلان ، بالخلط بالمساوي والأردى ، معللا له في المسالك في المزج بالأردى بكون القدر الناقص بمنزلة إتلاف الموصى له ، فيبقى الباقي على الإيصاء الأول ، وبعدمه أيضا لو خلطه غيره بغير إذنه ، أو اختلط بهيلان لنفسه ونحوه ، ولو كان ذلك تلفا لم يفرق بين الجميع كما أنه لو كان فيه دلالة على الرجوع لم يفرق بين الأجود وغيره ، والمتجه عدم اقتضاء شيء من ذلك الرجوع ما لم تقم قرينة تدل عليه ، ويشارك الموصى له بنسبة القيمة في الأجود والأردى ، من غير فرق في ذلك بين كون الموصى به زيتا معينا أو طعاما كذلك أو صاعا من صبرة معينة فمزجها بغيرها.
وبذلك يظهر ما في كتاب من كتب الأصحاب حتى الفاضل في القواعد الظاهر منه الفرق بين المعين ، والصاع من الصبرة ، والخلط في الأول مطلقا رجوع بخلاف الثاني ففيه التفصيل المزبور وهو غريب.
وكذا يظهر لك الوجه فيما في غير كتاب أيضا من قول أما لو أوصى بخبز فدية فتيتا لم يكن ذلك رجوعا بناء على ما ذكرناه. نعم قد يشكل ذلك بناء على ما سمعته منهم ، ضرورة تغير الاسم بذلك ، اللهم إلا أن يفرض عدم تغيره ، بأن يقال له خبز مدقوق ، أو يدعي أن مثل هذا الفعل لا يقتضي الرجوع ، بخلاف الأفعال السابقة.
لكن الأخير كما ترى ، فإن الدق كالطحن والعجن ونحوهما مما يقتضي إرادة الانتفاع به.