ونحوها ، فدعوى أن له بذلك الأجرة للغير دون نفسه واضحة الفساد ، بل هي كذلك في كل عمل كان له ذلك فيه ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره في ذلك ، بل لعله أولى باعتبار بقاء نظره على مال الطفل واحتياطه عليه.
ومن ذلك يظهر لك ضعف التفصيل بين الفقير والغنى الاستحقاق وعدمه كما أن منه يظهر لك ضعف مستند الأقوال البقية التي وجهها الأخذ بالآية ، وما ورد في تفسيرها في خصوص الفقير ، أو الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الأجرة بأخذ الأقل منهما الذي هو الأحسن في مال الطفل المنهي عن القرب إلى ماله ( إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) ، ولأن الكفاية ان كانت أقل من الأجرة فمع حصولها يكون غنيا يجب عليه الاستعفاف ، وإن كانت الأجرة أقل فهو لا يستحق الأزيد في البالغ ، فضلا عن اليتيم ، واستجوده في المسالك لو تحقق للكفاية معنى مضبوط ، قال : « لأنه إن أريد بالأكل بالمعروف المتعارف كما يظهر من الآية والرواية وجعل مختصا بالولي لا يتعدى إلى عياله ، فلا منافاة بين الفقر وحصول الكفاية منه بهذا الاعتبار حينئذ ، لأن حصول القوت محتاج إلى مؤنة السنة من نفقة وكسوة ومسكن وغيرها حتى يتحقق ارتفاع الفقر ، إذ لم يشترط حصول ذلك في بقية عياله الواجبي النفقة وحينئذ فقولهم في الاستدلال مع حصول الكفاية يكون غنيا غير صحيح ، وإن أريد به مطلق السرف كما هو المراد من قوله تعالى (٢) ( وَلا ـ تَأْكُلُوها إِسْرافاً ) الى آخره وقوله تعالى (٣) ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) وقوله تعالى (٤) ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) الى آخر الآية وغير ذلك ، فقيد المعروف في « غير ذلك » غير واضح المراد يعتبر معه أقل الأمرين ، لأن التصرف على هذا الوجه مختلف باختلاف الأشخاص والحاجة ، وربما أدى ذلك إلى الإضرار بمال اليتيم ، وقوله في الرواية هو القوت تخصيص لمعنى الأكل إلا أنه ليس بصريح في اختصاصه بأكله بنفسه لما عرفت من أن الأكل مستعمل لغة فيما هو أعم من ذلك ».
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ـ ١٥٢.
(٢) سورة النساء الآية ـ ٦.
(٣) سورة البقرة الآية ـ ١٨٨.
(٤) سورة النساء الآية ـ ١٠.