ومن ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك من ذكر أقوال ثلاثة ، أحدها الحبس في مفروض مسألة المتن وغيره من كتب الأصحاب التي هي صحة الوقف المنقطع وعدمها ، وأعجب من ذلك ما أطنب في الرياض من أن المسألة ذات قولين : أحدهما البطلان مطلقا ، والآخر الصحة والمراد الصحة حبسا لا وقفا ، واستشهد على ذلك بتصريح جماعة ممن قال بالصحة بانتقال العين الموقوفة بعد الانقراض إلى الواقف وورثته ، وهذا من لوازم الحبس فتكون كلمة القائلين بالصحة متفقة على إرادة الصحة حبسا لا وقفا ، وهو من غرائب الكلام ، وما كنا لنؤثر وقوع ذلك منه خصوصا بعد قول جماعة منهم بالانتقال إلى ورثة الموقوف عليه.
وقول آخر أنه يصرف في وجوه البر وتصريح غير واحد بأن الأكثر على صحته وقفا ، بل التتبع يشهد به ، بل قد عرفت عدم إمكان تصور القول بصحة ذلك حبسا ، وما ذكره من اللازم المزبور كاد يكون صريحا بخلافه ، ضرورة ظهور كلام بعض وصريح آخر بعود ذلك الى الواقف بعد الانتقال إلى الموقوف عليه ، وهذا لا يكون في الحبس الذي لم تنقل فيه العين عن المالك ، والمصرح ببقاء العين هنا ـ مع ندرته ـ مدع أن هذا الوقف له حكم الحبس ، وانما الذي يخالفه الوقف المؤبد دونه ، وبالجملة لا ينبغي التأمل في ضبط تحرير المسألة منه ومن غيره والتحقيق ما عرفت.
كما أن التحقيق فيها القول بالصحة وأنه هو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، لا لكثير مما ذكروه مما هو محل للنظر ، بل لأصالة عدم الاشتراط المستفادة من عموم أدلة العقود وخصوص أدلة الوقف ، سيما نحو قولهم عليهمالسلام « الوقوف على حسب ما ـ يوقفها (١) » وخصوصا الصحيحان المزبوران (٢) الظاهران أو الصريحان بعد تفسير أحدهما بما في الآخر في أن الوقف الموقت المحكوم فيهما الأعم من القسمين ، بل هما ظاهران أو صريحان لمن وهبه الله تعالى قريحة نقادة في أن كل وقف موقت صحيح ، وكل وقف غير موقت باطل مردود
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ٢.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الوقوف الحديث ١ ـ ٢.