استعمالا آخر وإرادة العين الجارية ، أمّا أن نستعمله استعمالا واحدا ونريد منه الباصرة والجارية فهذا مستحيل ؛ لأنّ ذلك يقتضي أن تلحظ العين بلحاظين متباينين في عرض واحد ، وذلك لأنّه حينما يستعمل لفظ في معنى فإنّه لا بدّ من تصوّر المعنى أولا وتصوّر اللفظ الذي يراد استعماله لإفادة المعنى ، وحينما يكون الإنسان متصورا لذلك المعنى فإنّ ذهنه لا يمكن أن يكون مشتغلا بمعنى آخر ؛ إذ أنّ صفحة الذهن تكون مشغولة بالمعنى الأول ومن الواضح أنّ المشغول لا يشغل إلاّ أن تخلو صفحة الذهن عن المعنى الأوّل فإنّه بالإمكان حينئذ أن يحلّ المعنى الثاني محلّ المعنى الأول ، وهذا يقتضي الترتّب بينهما وبهذا تثبت استحالة اجتماع معنيين في صفحة الذهن في عرض واحد.
وإذا كان ذلك مستحيلا فإنّ إرادة الجامع من الاسم الموصول يكون مستحيلا ؛ لأنّه يؤول إلى استعمال لفظ واحد وإرادة معنيين متباينين.
ومنها : قوله تعالى ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١).
تقريب الاستدلال بالآية الكريمة :
إنّ الرسول في الآية الكريمة جيء به للتعبير عن البيان ، إذ أنّ الرسول مصداق لوسيلة الكشف عن الأحكام الشرعيّة ، وبهذا تكون الآية الكريمة دالّة على نفي العقاب والإدانة في حالة عدم البيان ، فمعنى أنّ الله لا يعذّب إلاّ في حالة بعث الرسول هو أنّ الله عزّ وجل لا يعاقب على ترك التكاليف الواقعيّة ما لم يبينها ، ومن الواضح أنّه مع الجهل بالتكليف الواقعي يكون
__________________
(١) سورة الإسراء آية ١٥.