ومعرفة ما هو الأصل الجاري في المقام يرتكز على تحديد هوية هذا النحو من الشك ، وهل هو من موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر حتى تجري البراءة عن الأكثر أو أنّ المقام من موارد دوران الأمر بين المتباينين فلا تجري البراءة ويكون الجاري هو قاعدة منجّزية العلم الإجمالي لو تمت أركانه؟
والجواب : أنّه قد ثبت في محلّه أنّ الأحكام متعلّقة بالطبايع لا بالأفراد فحينما تجب الصلاة فالواجب هو الطبيعي والذي هو طبيعة الصلاة بمفهومها السّعي ، غايته أنّ هذا الطبيعي الذي وقع متعلّقا للأمر يمكن تطبيقه على أحد مصاديقه.
وإذا كان كذلك فالدوران في المقام إنّما هو بين المتباينين ؛ وذلك لأنّ الشك إنّما هو ـ مثلا ـ بين الحلق تعيينا أو الأعم منه ومن التقصير ، وهذا يعني أنّ الواجب هو إمّا طبيعي الحلق أو طبيعي الجامع بين الحلق والتقصير ، نعم هما متصادقان في أفرادهما خارجا ؛ وذلك لأنّ عنوان الجامع يصدق على أفراد عنوان الحلق إلاّ أنّ ذلك لا يوجب كون الدوران بينهما من الدوران بين الأقل والأكثر ؛ لأنّ الضابطة في تحديد هوية التردد وأنّه بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين إنما هو متعلّق التكليف وهو الطبيعي ، ومتعلّق التكليف في المقام مردد بين طبيعي الحلق وطبيعي الجامع بين الحلق والتقصير ، ومن الواضح أنّهما متباينان في عالم المفاهيم ، فأحدهما غير متحد مع الآخر ولو في الجملة.
وإذا كان الدوران بينهما من الدوران بين المتباينين فهذا يعني وجود علم إجمالي طرفاه هما عنوان الحلق وعنوان الجامع بين الحلق والتقصير ، وجامع هذا العلم هو وجوب أحد العنوانين إلاّ أنّه مع ذلك لا يكون مثل